التنوع الثقافي العصر الرقمي، محاضرة مقدمة في مؤتمر بدائل 2 ، الذي ينظمه منتدى الأواصر



هل يقف التنوع الثقافي والعرقي عائقا لتحقيق العيش المشترك والتنمية المستديمة؟
التنوع الثقافي في العصر الرقمي ودور وسائل الإعلام الحديثة

من خلال هذه الإطلالة سأحول التطرق لثلاثة مداخل للموضوع :
vالتنوع العرقي والثقافي (التعددية، عند أرنت ليبهارت ) بوصفه انطلق من الأنماذج المجتمعة المنشودة أو الأكثر قبولا عالميا
vمداخل التغيير : مرور "بعجالة" على كل من أوغست كونت   وجاك داريدا
vما الذي أضافته الميديا الاجتماعية؟
vتحليل الحالة الموريتانية بناء على أنماذج موجودة

الشيخ الحسن البمباري


v   التنوع العرقي والثقافي (التعددية، عند أرنت ليبهارت ) بوصفه انطلق من الأنماذج المجتمعة المنشودة أو الأكثر قبولا عالميا.
ما يجب عليها كمجتمع إدراكه إن هذه الطفرة الافتراضية من خلال الميديا الاجتماعية هي تعبير أمين عن عجز المؤسسات المدنية والقانونية والدينية عن المشاكل التي يرزح تحتها هؤلاء الأفراد والجماعات ولا يجدون من يساعدهم على حلها.
 






-----
استهلال:
الدولة القومية هي لبنة معمار العالم، كما أن التنمية الاقتصادية واقتصاد السوق يتصلان بوجوب أن تقوم وحدة بناء العام (الدولة القومية) على اقتصاد يشبع الحاجات من جانب ويبدي مسؤولية أخلاقية وحياتية تحتاج تقليص الفوارق (أو إزالتها إن أمكن) بين الفئات والطبقات.
التعددية عند آرنت ليبهارت  :
يصف ليبهارت المجتمعات التعددية أو المنقسمة أو غير المتجانسة من الناحية القومية،بالقول (إنها ليست امة صنوانية متناغمة على قاعدة أن الأمم تتعين حدودها بمعيار الثقافة المتجانسة (اللغة ، الدين ، العرق، التاريخ ...).
ولا يذهب ليبهارت بعيدا عن مبادئ ضبط التعددية كما حددها جون لوك  ومونتسكيو ( الحكم بالرضا "عبر الانتخابات" ، من خلال حكم الأغلبية الفائزة بأكبر عدد من الأصوات وتقسيم السلطات، إضافة إلى ملاحق حقوق الإنسان والحقوق المدنية للفرد وحقوق المرأة والقانون الدولي).
 ونجد أن هذه الملاحق الأخيرة هي أكثر ما يتم سحبه إلى مجال الميديا الاجتماعية، أي أن الدول عاجزة عن التقدم فيه )، كما أن هذه الملاحق الأخيرة تمثل اليوم رأس الحربة في المواجهة الدائرة في سبيل العيش  المشترك، إذ تتيح الميديا الاجتماعية التعبير عن الاختلاف الاجتماعي والثقافي والعرقي، والمطالبة بالحقوق  أكثر من أي وقت مضى.
نجد أن التعددية العرقية تثير اهتمام العديد من المشتغلين في المجال السياسي، مثل المنظر السياسي خوان لينز الذي يقول (إن مبدأ الأغلبية والأقلية السياسي سيتحول إلى أغلبية وأقلية قومية(، وهو ذاته الموقف الذي يقدمه  آرون يفتخال في تقييم النموذج السياسي الإسرائيلي. وتتماشى هذه الآراء تماما مع حالة ما هو سياسي في موريتانيا إذ إن الأغلبية السياسية في وقت ما تحولت بشكل آلي إلى أغلبية أثنية، مما بتعالي أصوات أخرى تصف نفسها بالمغبونة على أساس عرقي.
المشكل في التعددية هو تورم غلواء سلطة المراكز، و قد سعت دول مثل أميركا و ألمانيا إلى نماذج فدرالية من اجل ضمان حقوق القوميات والأقليات التي تمثل تنوعا عرقيا، ولو على المستوى السياسي ممثلا في تقسم السلطات على أساس مراكز وأطراف ، وهو نفس الخطاب الذي يسوق في موريتانيا و راج باسم التميز الايجابي (وإن كنت شخصيا من أنصار التمييز المحايد ).
هذه المراكز ليست فقط مراكز سياسية وإنما هي اجتماعية تقوم على نوع من دفع الأخر إلى الطرف، من خلال الترابية الاجتماعية، التي تتمركز حول قبيلة ما أو مجموعة ما مقابل دفع الآخرين إلى هامش الترتيب الاجتماعي، ففي الأوساط الاجتماعي نجد أن استخدام صفة حرطاني أو امعلم... هو دلالة مفاهيمية ملغومة بالدلالات والتمايزات (سنعرض هذا الموضوع لاحقا في الورقة).
بالنسبة لليبهارت فان أسس إدارة التعدية أو ما يسميه بالتوافقية تقوم على مبادئ أساسية هي حكومة ائتلاف ، مبدأ التمثيل النسبي ، حق الفيتو المتبادل لمنع احتكار القرار والإدارة الذاتية للشؤون الخاصة لكل جماعة .
بالعموم المجتمع المتعدد هو المجتمع المقسم وفقا لما يطلق عليه هاري إكشتاين "الانقسامات القطاعية "
يقول : (... يوجد هذا حيث ترتبط الانقسامات السياسية وارتباطا وثيقا بخطوط التباينات الاجتماعية والقائمة موضوعيا، ولاسيما تلك البارزة في مجتمع معين،(...) ويمكن أن تكون الانقسامات القطاعية ذات طبيعة دينية ، إيديولوجية ، لغوية إقليمية ، ثقافية ، عرقية ، أو أثنية ، ثم يضيف أكشتاين سمات أخرى للتعددية هي الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والمدارس والجمعيات التطوعية أما الجماعات السكانية فيشار إليها باعتبارها قطاعات المجتمع التعددي)
v  مداخل التغيير : مرور على كل من أوغست كونت و جاك دريدا  
قدم أوغست كونت لنمطين من المجتمعات، مجتمع في طور الاحتضار والأفول أو الموت، ومجتمع آخر في طور الولادة، واصفا المجتمع المغادر بأنه المجتمع اللاهوتي الذي تمثله سلطة الكنيسة الكاثلوكية، بينما المجتمع الجديد هو المجتمع العلمي، وهذا يعني عند كونت أن طريقة التفكير الجديدة هي طريقة العلماء مقابلة طريقة رجال الدين في الماضي.
لذلك فالأسس الفكرية والأخلاقية للنظام الاجتماعي ستكون مبنية على رأي العلماء باعتبار ورثة لرجال الدين في السلطة الروحية، وخلاصة رأي كونت تقوم على إبعاد الثورة والعنف كما يشرط الإصلاح العقلي والفكري كطريق لإعادة تنظيم المجتمع الذي نعيش فيه،
والذي سيتجاوز الأزمة بالنسبة لكونت من خلال تنظيم العلوم وإبداع سياسية وضعية، بناها كونت على نظريته الإبدال الاجتماعي المؤسسة لفلسفته الوظيفية.
المدخل الكونتي يحيل في الحالة الموريتانية إلى الانتقال الذي فرضته شبكات التواصل الاجتماعي، إذ انتهى بشكل مطلق المصدر الواحد للمعرفة والمركزية للقبيلة كمصدر للتصنيف، ومرجعية حيث أصبحت شبكات التواصلي الاجتماعي هي واجهة التنافس بين المركزيات التقليدية والهويات الجديدة التي تثبت جدارتها يوما بعد يوم في المواجهة مع ما هو ماضوي، أي كل ما هو ضد العيش المشترك على أساس المواطنة المتساوية وتكافئ الفرص.(منطق غزال صياح)
المدخل الثاني سيكون متركزا حول الهدم أو التفكيك عند جاك دريدا ، الذي سعى من خلاله إلى تفكيك المركزيات لدى المجتمعات الأوروبية، وهي حالة مشابهة لما فعلته الميديا الاجتماعية في المجتمع الموريتاني حيث خلقت مشاعية معرفية وهدمت مركزية القرار وإلغاء التحيزات الثقافية، بل وسحب عصى التأثير من مراكزه المحددة قبليا من قبل المنظومة الاجتماعية، حيث كسرة ثقافة الميديا الاجتماعية قوة الرابط القبلية لدى البعض وخاصة الإعلان عنها.
وتثمل الميزة التي قدم جاك دريدا في انه سعى إلى الترميج (إعادة البناء)، وما تقوم به التفكيكية هو هدم التراتبية العنيفة التي تقوم عليها المجتمعات والأفكار المؤسسة لهذه البنيات الاجتماعية، (الترتيب الاجتماعي ، معلم ، ايكيو ، عرب ...) ، الميزة التي يقدم داريدا هي الحياد والتركيز على عدم مناصرة أي من إعادة الترتيب الجديد .
مؤسسا منهجه هذا على منطلقات منها:
أن الفكر الفلسفي (في حالتنا الاجتماعي) هو عبارة عن مجموعة انساق مفتوحة لا انساق مغلقة، تحمل في طياتها بذور هدمها وترميجها.
لا يمكن تفكيك النصوص إلا بنصوص أخرى موازية، أو هدم كتابة وترميجها إلا بكتابة أخرى، درجة أنه يرى المقابلة بين، إفلاطون وادموند غاليس ، وهوسرل ومالارميه و ديكارت بفريد ،ثم روسو بكلود لفي شتراوس، وهو ذاته الاقتباس الذي نجده لدينا من خلال مقارنة واقعنا الإنساني والحقوقي والإثني، مع الأوضاع في دول من قبيل سويسرا و الأراضي المنخفضة وألمانيا ...الخ.
بنى جاك داريدا هذه النظرية على خطوات محكمة متمثلة في :
 1 حركة قلب: نفكيك شبكة التعارضات والتراتبيات التي تقيمها (الميتافيزيقا) نظام الأفكار الحاكم للمجتمع .
2 حركة زحزحة: لما تم قلبه كي لا تعود إليه تلك الأفكار المتجاوزة والسائرة إلى الموت عند كونت .
معركة دريدا الكبرى كانت ضد العقلية الأوروبية التي كانت: تتمركز حول الذكر، وتهمش الأنثى والخنثى ....، ولم يكن هذا المسعى لخلق معارضة للمركز ونما كان عملية لفت الانتباه إلى هذا الهامش، وهذا الصوت بالضبط هو ما تمنحه الميديا الاجتماعية اليوم، فالمسعى الرئيس لداريدا هو تجاوز سيطرة المفهوم و المفهمة conceptualisation .
هذه المفهمة بالذات لم تكسر إلا بعد دخول   وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كانت مصطلحات من قبيل، الحراطين، ايكاون، لمعلمين ...، وغيرها من المصطلحات الشرائحية تحمل دلالة تراتبية وقدحية حسب ما يخدم منظومة المفاهيم القائمة والمحددة من قبل مراكز اجتماعية بعينها.
إلا أن عصر الميديا الاجتماعية ادخل تغيرات جادة حيث أصبحت المفاهيم ذاتها والأسماء تشير في معنى من معانيها، إلى المناضل والحقوقي ومقدم الخدمة، وفي الحالة العادية إلى المواطن، وهذه ميزة أضافتها وسائل التواصل الاجتماعي التي أسهمت في تجاوز النظرة النمطية للنفس وللآخر بشكل كبير.


v  ما الذي أضافته الميديا الاجتماعية
المزيد من الدمقرطة في كل شيء (مقاربة القهوة والفضاء الاجتماعي) : الناظر لواقع التواصل الاجتماعي اليوم يدرك أن الميديا الاجتماعية خلقت تحولا مهما في عدة مستويات، على رأسها مستوى الدمقرطة والمشاعية في المعرفة، إضافة إلى كونها منابر لإيصال صوت الأطراف للمركز، وهو ما جعلها تختزل سنوات من الحراك الاجتماعي وتجعله نقاش على موائد النخب وصناع القرار الذين ما كانوا ليسمعوا هذه الأصوات لولا الدور الكبير للميديا الاجتماعية، التي كرست ديمقراطية الآراء ونوع من التشراكية المفرط والمفروض .
فوسائل التواصل الاجتماعية فرضت المزيد من الدمقرطة في كل شيء، في الرأي في التأثر حتى على واقع الحالة الموريتانية، وهو ما أتاح إبراز الأصوات المبعدة وكذلك فرصة التعاطف والتفاعل بين أصحاب هذه المظالم المتنوعة.
منبر واحد لوطن متنوع : كما فرضت نمطا مهما من التشارك في المنابر، فمن الدعوات التي أطلق محمد إقبال في وقت ما هو ضرورة توحيد المنابر ليسمع بعضنا البعض، وهذا فعلا ما نجحت فيه الميديا الاجتماعية التي وفرت لنا منبرا مشتركا، كان له اثر مهم في تكتيل المصالح والمظالم، وقوة ضغط فعالة لناء المشتركات في بعض الأحيان، وإظهار الاختلاف بايجابية، وهو ما خلق نوع من التمايز الايجابي بعيدا عن الصدام، كما أسهم في فضاء عام أكثر سلاسة وتنوعا وتقبلا للآخر وللنقد أيضا، ممثلة بذلك منبرا موازيا للمنابر التقليدية القائمة.
فرصة لنسمع بعضنا البعض : أصبح التعبير عن التنوع طاغيا جدا وكذلك التعبير عن التعاطف أو عن النقد البناء اتجاه عرض هذا الاختلاف مما أسهم في إذكاء روح التحسين من أداء الدعاوى الاجتماعية والثقافية المقدمة على منصات التواصل الاجتماعية وبطريقة ما عقلنتها وتكيفها بما يحفظ للشريك على ذات المنصفة خصوصيته.
ثقافة عود لكواص (الفقاعات الثقافية) : أشخاص علماء في كل شيء ويتحدثون في كل موضوع و يعطون رأيهم كل حين، وبالرغم من سلبية هذه الثقافة إلا أنها مهمة لفت الانتباه إلى الواقع الاجتماعي والى الحد من مدى التسيب الرقابي في البلاد.
فما يحدث حاليا إن العصر الرقمي بات يخلق مستوى ما من الرقابة على الخطاب العام في المجتمع، وهو ما فرض البعض على التنازل عن بعض الآراء المناقضة لفكرة التعايش والمواطنة، كما انه أصبح يوفر منصة نقد قوية لكل ما يؤثر على هذا التعايش المشترك برأي من يرون أن هذا مناقض لآرائهم.
لا يمكن الحكم بأن الميديا الاجتماعية جيدة على إطلاقها أو فعالة في موضوع العيش المشترك ولكنها في موريتانيا حقيقة تمثل رافعة للتنمية المجتمعية أكثر من الإعلام التقليدي سواء الرسمي منه أو الخصوصي، فما تقوم به إحدى التلفزيونات في أسبوع أو كل شهر ممكن لمدون واحد القيام به بشكل يومي وهو ما يخدم بشكل دعم حقوق المغبونين والمظلومين وسكان الأطراف.
وان كنت أرى أن الخطر الأكبر الذي اذكت منصات التواصل الاجتماعي يتمثل أساسا في :
عدم التحقق وتوخي الخصوصية والمصداقية
وإذكاء نمط الثورة والتغيير المبني على أساس نحن نريد كل شيء والآن.
ومع ذلك فكرة منبر واحد فعلا مدت الجسور بين مختلف شرائح هذا المجتمع واستطاعت إيصال كل أصواته بمختلف أنواعها وقصصها.
v   تحليل الحالة الموريتانية بناء على أنماذج موجودة
في الحالة الموريتانية هناك عدة نماذج تعكس بدرجات مختلفة توجه الميديا الاجتماعية وتأثيرها في الواقع الموريتاني:
القضية الاجتماعية: استطاعت الميديا الاجتماعية أن تكون رؤية الرؤية الجديد لواقع الطبقات المغبونة اجتماعيا (من الحراطين ولكور وغيرهم..) فالصدى الذي حصلت عليه ما يعرف بالمحرقة، سواء باتفاقنا مع أو اختلافنا معه، تجاوز مرات ما قامت به حركة الحر بالرغم من عين الرضا التي ننظر لها بها جميعا، وهذا ما يعكس قوة الميديا الاجتماعية، في هذا المجال.
قضية لمعلمين أيضا سارت في نفس التوجه والإطار من الفاعلية في ظل الميديا الاجتماعية، وفي الفترة الأخيرة شهدنا الحراك القوي الذي قام به إيكاون، وهو حراك آخر حرك المجتمع للوقوف مع هذه المجموعة الاجتماعية، إضافة إلى قضية الإرث الإنساني التي ودت مساحتها هي الأخرى في الفضاء العام الرقمي.
المواجهة مع السلطات العمومية: قضية امتحان المهندسين، أزمة سيول سيلبابي مقارنة بسيول الطيطان، قضية الشركة الوطنية للكهرباء وموكا في نواذيبو، كلها قضيا تضطر الدولة في للتدخل من اجل حل قضية ما بسبب ضغط هذه المنصات.
المعقد والذي يحتاج المراجعة الاجتماعية هو أن الحالة الموريتانية، هي دائما محكومة بمستوى كبير من الشائعة وذلك عائد إلى بينية المجتمع نفسه وكذلك بنية منظومة الوعي في المجتمع، وهو ما يعني أن هذه الوسائل كما تستخدم لخدمة قضايا مهمة اجتماعيا، هي في الوجه الآخر تستخدم للشيطنة والتشهير بالآخرين والانماذج كثرة على ذلك.
ختاما ...
في شور شهر لها تقول المطربة ابركه بنت حمبارة : "يعطينا خير الطواري"، ويبدو أن الميديا الاجتماعية طارئ معقد جدا "يعطينا خيرو هو الاخر"،
شكرا جزيلا لكم.
المراجع
§        كتاب هاري اكشتاين : division and cohesion in decmocracy study of norway  الانقسام والتماسك في الديمقراطية دراسة للنروج .
§        كتاب الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد ، آرنت لبهارت
§        محاضرات غير منشورة للدكتور سيدي محمد يبه، مقدمة في المدرسة العليا للتعليم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سياسات التشغيل في موريتانيا و دورها في الحد من البطالة

وقفة مع رواية الأستاذ الشيخ نوح "أدباي"

لقبيلة في تجليّاتها المُختلفة.......عبد الودود ولد الشيخ