هل استيقظت أخيرا الدبلوماسية الموريتانية
بعد قرابة الأسبوع على قطع العلاقات بين الجارين المغرب والجزائر، وذلك بمبادرة من الطرف الجزائري، كان من المتوقع أن تكون دول الجوار هي أول من سيتدخل، خاصة مع ضعف جامعة الدول العربية عموما وتأثير الأزمة الخليجية على القرار العربي المشترك.
ولكن الإتصالات الموريتانية لتقريب وجهات النظر أو للاستماع من كلا الجارين، يعد أمرا مهما في تعاني دول المنطقة المغاربية في معظمها من مشاكل داخلية، وموريتانيا بالرغم هشاشة ظروفها العامة إلا أنها من بين دول المنطقة الأكثر هدوء ولو على المستوى السياسي.
فليبيا تعيش حالة رفع الدولة منذ العام 2011، كما أن تونس تتخبط في وضع سياسي حرج إذ عطل الرئيس كل السلطات البرلمانية والتنفيذية، كما أن أقوى الأحزاب يعيش حالة تجديد لم تتضح ملامحها بعد، والجزائر ذاتها ما بعد الحراك ومجيئ الرئيس تبون مزالت تبحث عن طريق الهدوء على خجل، في ما تمثل أزمة كورونا وضعا حرجا للمنظومة الصحية المغربية – وهو وضع محير مقارنة بالدول المحيطة-.
هذا السياق الجيوستراتيجي يجعل موريتانيا مرشحة بقوة لتولي دور الريادة ولو مرحليا والخروج من دور دولة الطرف، الذي حدده لها حسنين هيكل منذ فترة، وحتى إن لم يعجب هذا التصنيف النخب السياسية الموريتانية، إلا أنها لم تتصرف عكسه مغاربيا أو عربيا على الاطلاقا فهي مازالت تتبنى الحياد "الإيجابي" مثلا في القضية الصحراوية وقطعت وعلاقتها بشكل متسرع مع قطر بعد الحصار السعودي الإماراتي البحريني المصري.
التحرك الموريتاني الأخير في قضية قطع العلاقات المغربية الجزائرية، يعني أن موريتانيا بدأت تعي مكانتها المحورية كبوابلة للبلدين على إفريقيا، كما أنها يجب أن تدرك أنها لا يخدمها أي توتر جديد في المنطقة وهي على أعتباب استخراج غاز حقل السلحفاة، فالوضع في مالي لوحده يكفي.
هذه المبادرة لها الكثير من مقومات النجاح بل وقد تجلب معها نجاحا آخر وهو وإعادة بعث الروح في الجسم المغاربي، إذ أن نهاية الأزمة بين المغرب والجزائر، يعني ضرورة أن الحدود المغاربية المفتوحة باتت خيارا متحا وهو ما سيشكل نقلة تنموية كبيرة للمنطقة بأكمها.
يأتي في مقدمة فرص نجاح التوسط الموريتاني أنه مؤسس على مصالح دقيقة متعلقة بالفرص التي تتيحها موريتانيا للبلدين في الانفتاح على إفريقيا جنوب الصحراء.
ثم إنها المرة الأولى التي اتخذت فيها موريتانيا قرار الربح من الطرفين والتركيز على المشترك المغاربي، وهو ما يجعل المغرب غير المتحمس للتأزيم يسعى ضرورة لإنجاح المبادرة الموريتانية، فيما ستكون الجزائر وبحكم التاريخ والواقع مضرة إلى التفكير في المصالح التي قد تستفيد منها في تحسن العلاقة بينها وموريتانيا.
الجانب الآخر أن مستقبل التنمية والاستثمار في موريتانيا، واعد جدا على المدى القريب والمتوسط 2023 و2025، وهو ما يعني أن التفكير بنفعية لإدارة مجموعة من المصالح سيكون حاضرا في حال النظر في المساعي الموريتانية للمصالحة من طرف الدولتين.
ومع ذلك فإن موريتانيا فوتت الكثير من الفرص لتقديم نفسها كوسيط في المنطقة، خاصة أنه إلى الآن باستثناء المغرب وتونس لم تكن هناك مبادرات جادة لحلحلة القضية الليبية مغاربيا، إضافة إلى ميل موريتانيا إلى دور المتفرج في المواقف الحرجة إقليميا، إذ كان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أول المتصلين بالرئيس التونسي ولكن حتى الرئيس صرح لفرانس 24 أنه اتصل من أجل الاستماع من الرئيس، ولم يحدث أي ترحك موريتاني للتقريب بين وجهات النظر، وهو ما يبرر الخوف على مبادرة وزير الخاريجية الموريتاني، فمع أن الرجل وسيط دولي معروف إلا أنه لم يستثمر خبرته السابقة وربما يكون ذلك تماشيا مع توجها الدولة الاستراتيجية.
الأكيد اليوم نه مهما قررت الحكومة الموريتانية فإنه من الضروري التدخل بمساعي جادة لحل الأزمة بين الجزائر والمغرب في أسرع وقت ممكن، وإلا فإن خاصرة موريتانيا الحرجة "الصحراء الغربية" معرضة لوضع أكثر تعقيدا، مع إمكانية تحويلها لساحة الحرب "غير المباشرة" بين الجارين المغاربيين، وهو ما يعني أنه على موريتانيا التدخل هي الأخرى للحدم من أي تاثير سلبي يطالها كما حدث جنوبا مع مالي ومئات المهاجرين في مخيم أمبره.
#تبصير_سياسي
تعليقات
إرسال تعليق