النظر إلى الأمام والنظر إلى الخلف

 
إستهلال 
"إذا نظرنا إلى العالم بطريقة عقلانية فإنه سيعطينا إجابات عقلانية" هيغل 
** 
إن الوطن بطبعه بنية مركبة وتعددية، هذه الميزات التي تجعل البعض ينظر إلى الأمام بطريقة مطلقة وهؤلاء الذين يعتقدون عن أنفسهم حتى قبل أن يقول  الآخرون ذلك أنهم مستفيدون من الوضع القائم وأنهم ممثلوه بشكل مطلق دونا عن الآخر.

في الطرف الآخر هناك من ينظر إلى الوراء بشكل مطلق أيضا وذلك باعتبار كل يوم مضى من تاريخ الوطن هو مظلومية وتكريس للظلم وهؤلاء يفضلون بشكل أو بآخر التركيز على دور الضحيا بدل أن يكونوا وقود الثورة والتغيير.
مسألة النظر إلى الأمام أو إلى الوراء ليست موقفا اختياريا من أحد أي ليس هناك من يقرر إلى أين ينظر بل إن الظروف هي التي تجعلنا ننظر في أحد الاتجاهين، بالتالي نحن نحمل الآخرين مسؤولية توجيه قيمنا ومساهمتنا في المجال العام بشكل مطلق.
فالمدافعون عن حقوق النساء وعن العدالة الاجتماعية...الخ من المظلوميات ذات الطابع الوطني،  يظلمون الضحايا بتركيز نظرهم إلى الوراء بشكل كلي وبالتالي هم يفقدونهم أهم قاعدة لبناء الوطن "الثقة" الثقة في البنية، الثقة في أنهم جزء من التغيير الذي يوجد، في الثقة في أنهم جزء من الوطن.
 يخرج من هذا التبسيط مسألة العبودية خاصة أن روسو ورولز يرفضان بشكل مطلق تصنيفها خارج "الاكراه البدني والذي يعد حالة غياب إرادة تامة للضحية"، ولكن يدخل فيه بشكل ضروري آثار العبودية وملحقاتها وعلى رأسها نظام الطبقات المشين الذي يقيس عليه آلان دونو مثلا فرص التعليم "طبقات عليا تعليم عالي، طبقات دنيا تعليم أدنى" وقد يكون ما يقصده دونو ليس فقط الحصول على الشهادة ولكن التأثير الذي تحدثه في حياة الفرد ذاته بناء على الطبقة فماستر "مثلا" في يد شخص من الطبقة العليا تختلف كليا تأثيرها في الحياة مع ماستر في يد شخص من الطبقات الدنيا.
هذه المعادلة بالذات هي ما تجعل النظر إلى الخلف مسألة ضورية لخلق مظلومية تبرر الوضع القائم ولكن المشكلة ان هذه النظرة إلى الخلف لا تحول المظلومية إلى أداة للتغيير وإنما أداة للخضوع "أنت عندك وساطة ولا ماه عندك؟" أي قبول البنية القائمة يصبح جزء من الهوية التي حددتها النظرة للخلف.
قد يخطرك في بالك هل يجب أن ننظر إلى الأمام حتى إن كان واقعنا يفرض العكس؟ الإجابة لا، ضورة ولكن لتكن النظرة للأمام وسيلة للشعور بواقع عام لا يجب أن يستمر هكذا اي يتمكن الناظرون للأمام من خلق تمييز إيجابي لصالح الناظرين للخلف ويتحولون من دور التمترس دون البنية الحكومية القائمة إلى الوقوف مع الحق كما هو أي مع حقيقة التاريخ ذاته وتأثيره على الواقع الآن أي كيف ساهم في خلق هذه الفروقات وساهم في إعاقة فئات كثيرة من المجتمع عن تحقيق أي تقدم يذكر.
المسألة المطروحة الآن ليست إلى أي أتجاه يجب أن نركز اهتمامنا؟ إلى ماضي الظلم والتهميش والتعطيل أم إلى مستقبل نبنيه كجزء من هذا السياق بالقوة، لأنه من الأهم أن نملك من وسائل الوعي ما يخولنا النظر في الاتجاهين وبناء نقدية تجمع بين طرفي العلاقة في الوطن (الغبن والحظوة/ المنع والوصول/الاستفادة والحرمان...الخ) هذه النظرة بالذات هي التي جعلت كل  كانط وافلاطون عظيمان في التاريخ، وأقصد بذلك الموضوعية والنقدية في النظر إلى الوراء وإلى الأمام.
للعبرة
يقول صديقي داوودا أحمد التيجاني چا إنه إن كنت تملك من الدموع ما يخولك البكاء على العالم فافعل ولكن إن كنت لا تملك الا ما يكفيك للبكاء على نفسك،  فابكي عليها فقط لان لنفسك عليك حق.
بالمختصر وعيك وحده سيحدد لك أين يمكنك النظر وكيف ستكون تلك النظرة ولكن تأكد انه لا يحق لأي كان منعك من اختيار إلى أين تنظر.
#تبصير_سياسي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وقفة مع رواية الأستاذ الشيخ نوح "أدباي"

لقبيلة في تجليّاتها المُختلفة.......عبد الودود ولد الشيخ

سياسات التشغيل في موريتانيا و دورها في الحد من البطالة