رسالة عن التغيير المتشود 3

رسالة عن التغيير المنشود (3)
إن التغيير الأول الذي يجب العمل عليه هو ما يوصف اليوم على شبكات التواصل الاجتماعي بالمجتمع التقليدي، والفكر الرجعي ولخيام، هذه المسميات بالذات هي الروح التي يجب أن نغير، لأن المسالة اليوم تتعلق بتغيير جذري وإحلال قيم جديدة محل القديمة -صناعة الإبدال على لغة أوغست كونت- وليس النقد فقط لمجرد رمي فشلنا على عاتق الآخرين، فأين هي المبادرة التي كان مشروعها وعي الناس فقط وليس قيادتها للثورة على الاطلاق.
الخطأ الكبير الذي يتكرر دوما أن الجميع يريدون قيادة الثورة، ولكنهم كسلاء عن التوعية بها.

III. غوستاف لوبون "إنه يتعذر على الأمة أن تختار نظمها بل أن تغير روحها" 

روح الأمة التي تحدثنا عنها في السابق هي ذاتها التي تحدد النظم التي تحكم المجتمعات يقول الرسول صل الله عليه وسلم، "كما تكونون يولى عليكم"، المجتمعات التي لا تريد أن تتصالح مع ذاتها وتفضل الخنوع والركوع، سيتولى حكمها متجبر يهينها كل يوم، يسرق ثرواتها ويوزعها على حاشيته ويهين مثقفيها ونخبها كل يوم ويتلاعب بماضيها وحاضرها ولا يسعى في رفاهيتها ولا تنميتها، ثم إذا حان موعد الانتخابات يقف أمام مناصريه متبجحا بالكذب مرة تلو الأخرى وبذلك يضمن بقاءه في السلطة.
إن اختيار النظام الذي يحكم يجب أن يكون بناء على معيار الأداء، ويشمل ذلك طرفي المعادلة معارضة وموالاة ، يجب أن تترك الأحزاب التي لا تبحث عن مصلحة المواطن حتى تغلق أبوابها، ويجب أن يمتنع الشعب عن التصويت للسياسي الذي لا يخدم مصالح دائرته الانتخابية... إلخ، صحيح القارئ الكريم يعرف كل ما سبق ولكن كيف نحوله لواقع؟ والإجابة على هذا السؤال تحدد مصدر القوة، إذا سرق أخوك المال العام هل ستكون معه أم ضده؟ إذا استغل قريبك مكانته السياسية للوساطة والإثراء هل تكون معه أو ضده؟ إذا افلست شركة يديرها عمك أو زوج أختك هل تكون معه أو ضده؟... إجابة هذه الأسئلة هي ذاتها الإجابة على كيف تغير الأمة روحها لتخلق التغيير المنشود لبناء دولة نكون فيها على الأقل أمام نفس الواجبات والحقوق.
يقال إن الثورة الفرنسية التي جاءت لإسقاط الملكية وكل عوالقها وتغيير النظام الذي يحكم فرنسا بشكل كبير، لم تغير شيئا حقيقة بقدر ما أعطت مسميات جديدة لنفس البنية العتيقة التي ثار ضدها الشعب وتمرد عليها، أليس واضحا أننا نكرر ذات الشيء في سياقنا المحلي الموريتاني، ألم يصبح "اتفكريش" سرقة المال العام بعد ما كان رد الظالم وإعانة المظلوم، أليس جليا أن الغشاش بات يوصف بكل فخر بالسياسي...إلخ، إن الروح تتغير ولكن لا يمكن اعتبار كل تغيير الى الأحسن فهناك تغيير إلى الأسوأ وهذا ما يحدث بشكل واضح في مجتمعاتنا الحالية، التي تواصل الكذب والكذب فقط، فالذين يدافعون عن جودة التعليم العمومي عندما يقبضون رواتبهم يدفعونا لمدراء المؤسسات الخاصة بكل اختصار.
ليست المسألة أننا نستحق حكما أو أننا ورثنا بنية سياسية مع الوقت تحولت إلى طغمة مصالح تحكم بما تريد وليس ما نريد، بل المعركة اليوم أنه من الملحّ إنهاء معاناتنا بأنفسنا قبل أن نصل جميعا إلى وضع "الديك".

IV. دومينيك شنايبر "إن المواطنة مبدأ ديمقراطي موحد وضروري في كل المجتمعات الحديثة"

اليوم وأكثر من أي وقت مضى لم يعد لأي شيء معنى دون فرض صارم لروح المواطنة، والمقصود بروح المواطنة هو إجبار الرجال والنساء على تبادل الكراسي مع أشخاص آخرين على أسس معروفة وواضحة ومتواضع عليها، المواطنة هي أن نجعل الطابور مستقيم لا انكسار فيه بسبب الوساطة والمحسوبية والزبونية، المواطنة المنشودة هي تلك التي تجعل أبناء الوطن الواحد على قدم المساواة في الفرص والمشاكل والتحديات، وليس هناك فئة أقرب للمركز من أخرى.
قد يقول البعض إننا في موريتانيا من المجتمعات التي يمكن وصفها بحديثة الميلاد وبالتالي مسألة المواطنة هذه تبقى جد معقدة ومركبة بشكل مربك، ولكن تطبيق مبدأ المواطنة يتم من خلال تطبيق القوانين على أرض الواقع من خلال تجسيد روح النضال العام بدل نضال الضحايا، بدل أن يكون لكل فئة ومجموعة مظلتها الخاصة يجب أن يكون الشعب صفا واحدا، هذا هو أكثر ما يخشاه الحاكم الذي يريد البقاء في كرسيه " أن يشعر الشعب بملكيته للوطن أي أن يولد الإحساس بالمواطنة" لذلك كانت الحكومات حريصة على جعل فئة معينة تشعر أن الوطن لها، هذه الفئة قد تكون الشباب أو النساء أو الحراطين أو لمعلمين أو لكور ... إلخ، المسألة أنه لكي يكون كرسي الحاكم آمنا لابد أن يكون هناك من لا يشعر بأن الوطن له، وهناك شعور مزيف للآخرين بملكية للوطن من خلال منحهم حقوقهم باعتبارها منح  ومكرمات من الحاكم.
المواطنة التي نريد هي المواطنة الفاعلة التي تبعث فينا الثورة للتغيير وتحرك فينا روح العمل والمثابرة، لهذا الشيء المشترك الذي يتجسد فينا جميعا (الوطن)، وهذه لن تكون اطلاقا إلا إذا كان الشعب قادرا على خلق الخوف في قلب الحاكم، وكانت الانتخابات موعدا لأخذ ضمانات حقيقية من الحاكم، وليست موسم بيع كبونات من القبائل والوجهاء للرئيس الذي لا يقطع فعلا وعدا للمواطنين بقدر ما يعطي مصالح لرجال يملكون خزانات انتخابية، وعادة ما يفي بتلك الوعود بالصفقات وتوزيع المصالح والقوانين التي تحمي طغمة توفير الأصوات ولا تفكر في المواطنين إطلاقا.
إن ما يحدث حاليا في موريتانيا أن الوطن يتكون من مواطنون من الدرجة الأولى، فعندما كانت الوزارة المعنية بالصحة تسعى لتمرير قوانين صارمة لقطاع الصحة اتضح أن ملاك المخازن ورخص استيراد الأدوية هم الرجال الموجودون في البرلمان وبالتالي لن يقبلوا بتمرير قوانين تضر بمصالحهم وتخدم المواطن.


يتبع...


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وقفة مع رواية الأستاذ الشيخ نوح "أدباي"

لقبيلة في تجليّاتها المُختلفة.......عبد الودود ولد الشيخ

سياسات التشغيل في موريتانيا و دورها في الحد من البطالة