رسالة عن التغيير المنشود 2


الثورة التي نحتاج هي ثورة "مباركة"، ثورة تطرح مطالبها في إطار ديمقراطية الممكن التي تحقق الكفاف في العدالة والمساواة والإنصاف والتقاضي والأمن والأمان الاجتماعي والوظيفي...الخ، نبالغ حين نطالب بدولة مثالية في الجنوب على نموذج ألمانيا أو الدول الاسكندنافية، ولكن يحق لنا الحلم بثورة تذكر الحاكم بوجود الشعب وتجعله يدرك ضرورة الإصغاء لصوته، وتغير هذه الطغمة السياسية التي ترتع حيث هي مربوطة كالشاة، فالتعيين هو بمثابة مرعى يورثه الأب للابن وهكذا، وهو ما أبقى كما كبيرا من الشعب معدومة الاستفادة من الدولة التي يسهل وصفها بالدولة الريعية، "حان إذا وقت الثورة ضد هيمنة الفساد والغبن الاجتماعي وليس ضد بعضنا بعضا".
إن إجابة سؤال "الكيف" في الثورة التي نحتاج، هي التحرك مباشرة نحوها، أما سؤال "نثور ضد من؟" فإجابته أننا نثور على المفسدين و أكلة المال العام و على السياسيين الذين يمكثون في كراسيهم حتى يهرمون ثم يورثونها لأبنائهم من بعدهم، نثور على الطبقية الوظيفية والهرمية في الولوج للخدمات والفرص الاقتصادية والثقافية التي لا نتساوى فيها كشعب على الاطلاق.
الجزء المهم الآخر في سؤال "كيفية الثورة" هو العمل على تكتيل المصالح وتجميعها بشكل أكبر وخلق تيار مجتمعي عام من الأحزاب والفاعلين والإعلاميين والنشطاء والحقوقيين والنقابيين... إلخ، تيار يكون مركز القوة المدنية مقابل البنية التنفيذية للدولة ويشكل كتلة خوف للحكومة أكثر مما يشكل سندا لها، يشكل هاجسا للمنتخبين أكثر مما يشكل لهم مصدر أمان انتخابي، يكون نصيرا للمواطن وعقلا له أكثر مما يكون حراكا هلاميا لا هو بالحزب ولا بالمؤسسة الأسرية.
إذن الثورة هي خيار حتمي وما لم يكن هناك توافقية حولها فلا معنى لأن تحدث، ولنا في درس الربيع العربي العبرة الأكبر.

II. غوستاف لوبون " والثورة مهما كان مصدرها لا تصبح ذات نتائج إلا بعد 
هبوطها في روح الجماعات (... ) فالثورات الكبيرة هي ثورات البضائع والأفكار"

نتحدث دوما عن الثورة والتغيير والانتقال ولكن من أين يبدأ كل ذلك؟ هذا هو السؤال الأهم.
الناظر إلى الفعاليات النضالية والحقوقية المؤثثة للفضاء العام في موريتانيا، -ولست بحاجة إلى ذكرها-، يدرك كم هي تنظير مقطوع الرأس ولا علاقة له بالجسم، بل يدرك كم هي جوفاء وعمياء على لغة إيمانويل كانط، فهذه التحركات على كثرتها بعيدة عن روح المجتمع بل ولا تصل إليه بأي شكل من الأشكال، هل من المتوقع أن تكون لدينا نسوية ذات بال مثلا، وهي لم تنزل يوما في الميدان لتشرح ل"انجايات" وبائعات كسكس والسباغات والمتاجرات وربات الأسر...الخ معنى كلمة "نسوية"؟ هل يتوقعن أن تتقبل الأسر -ودون أي اعتراض- فكرة النسوية، ويقولون لبناتهن عليكن تبني هذا التيار المبارك مالم تكن هناك جهود حثيثة من الناشطات والنشطاء من أجل تجذير هذا الفكر في روح المجتمع، هذا مجرد مثال صغير ولكن يمكن القياس عليه.
النقاش حول الزواج وفتح الزواج والحرية والديمقراطية كلها أمور في حقيقتها ثورية ولكنها لم تلامس بعد روح المجتمع، لذلك لا قيمة لها في فضائنا المحلي الذي ما زال صناع الآراء والمبادرات يترفعون عن النزول إلى أرضه من أجل شرح حقيقة الأفكار الثورية لمن يقومون بالثورة فعلا "القواعد الشعبية"، ونعرف جميعا أن الوطن لن يرتفع بنا حتى ننزل إلى أرضه من أجل غرس قيم التغيير في روح المجتمع وفي ضميره الجمعي، وأول قاعدة ثورية يجب غرسها اننا كمجتمع لسنا أعداء بل نحن في ذات الخندق في مواجهة طغم من ذوي المصالح والنفوذ والذين يخدمهم استمرار الوضع القائم.
وروح المجتمع التي نتحدث عنها هي تلك الروح المادية المتعلقة بالنمو الاقتصادي والتنمية المعرفية والاجتماعية، تخيل أن ناشطة سياسية في منطقة الميناء تعرض عليها 1000 أوقية جديدة مقابل عشرة أصوات، ثم يعرض عليها برنامج انتخابي في المقابل إذا نجح صاحبه سيقدم الكثير من الفرص المهمة!! أيهما ستختار؟ حتما ستختار المبلغ المالي حتى ولو كان نصفه فقط هو المعروض، لأن مشكلتها هي المرجل الفارغ اليوم وليس بإمكانها انتظار ثمار برنامج سياسي سيثمر بعد عشر سنوات، السيدة ذاتها هي أكبر عدو للتثوير والتغيـــير باعتبارها تعرف كل المعرفة أن بيع الأصوات -المحرم في القانون- هو نصيبها الوحيد من هذا الوطن، ولأن حمَلَة التغيير فشلوا في إقناعها بل لم يهتموا يوما باطلاعها بحقوقها ولا بضرورة التغيير وأن الدولة وجدت لتحميها، وما رجال الحكومة إلا موظفون لديها.
ليس من السهل تعليم الناس أن يثوروا إطلاقا، ولكن من النذالة النظر إليهم وهم يتم استغلالهم بشكل بشع ومؤلم دون حراك، لذلك فالمهمة الأولى لأي حراك ينشد التغيير الجاد هي خلق الوعي والوعي أولا، فخلق الوعي بالثورة يعني ضرورة حدوثها بمجرد ما تتهيأ ظروفها. 


يتبع....




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وقفة مع رواية الأستاذ الشيخ نوح "أدباي"

لقبيلة في تجليّاتها المُختلفة.......عبد الودود ولد الشيخ

سياسات التشغيل في موريتانيا و دورها في الحد من البطالة