رسالة عن التغيير المنشود 1
الشيخ الحسن البمباري،
استهلال:
يحدثوننا كثيرا عن الثورة لينموا فينا الخوف منها، ولكنهم ينسون دوما أن التغلب على الخوف أسهل بكثير من تقبله، وأن محاربة الثورة في النفس الإنسانية هي أسوأ طريقة لقتلها، فالجميع يعمل بنظرية أن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر، لذلك تجدهم يقولون اصمت إذا ضربك المعلم ظلما فهو أدرى، واستعمل العلاج المزور الذي يعطيك الطبيب فهو اعلم أيضا منك، وخذ المخالفة من رجل الأمن حتى لول لم تفعلها فهو أدرى بالقوانين منك، وتقبل النقد من العامل في القطاع العام الذي يتحجج بأسباب تافهة ليمنعك حقك في ورقة دفعت ثمنها من الضرائب والمكوس.
ثم سيعلمونك درسا أكثر قساوة وخطورة " الدولة لا تعارَض (المخزن ما يعاند)" انهم يتناسون بكل بساطة أنك انت الدولة وانت الذي وضع القانون لحميك وأن المدرس يقبض راتبه ليخدمك وكذلك الطبيب والعسكري والموظف، يتجاهلون كل ذلك ويقلون لك احذر الثورة وانتبه لها.
ببساطة الثورة هي ان تكون مع الحق ولو كنت وحدك، أي أن يعرف الحق بك ومن خلالك أيها المواطن.
الثورة وهي أن لا تستوحش طريق الحق لقلة سالكيه كما قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه.
I. "إن أي ثورة لتكون مباركة لابد أن تكون متشكلة من أحداث متفرقة وليست بناء على حدث واحد"
إن الحلم ببناء دولة مسألة سهلة جدا خاصة حين تتوفر على إقليم بمساحة كبيرة وشعب بدين واحد ونظام سياسي مع كثرة تحولاته يظل دوما ضمن النظم السياسية "المباركة" التي تجنب المجتمع الاقتتال الداخلي.
ومع ذلك يبقى انتظار السلطة أن تقوم بثورة مسألة بطيئة جدا، فالحكومات عموما قد تقاوم الثورة ولكنها لن تقوم بها على الاطلاق، بل انه من المستحيل انتظار التغير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي أن تقوم به الحكومة، التي عادة ما تتبنى خططا يائسة ومستوردة ولا تناسب السياق المحلي الذي تقدم من اجله.
فحين أطلقت الحكومة الموريتانية "مثلا" مشروع وكالة تشغيل الشباب كان واضحا أن الفكرة فكرة سيئة بشكل كامل بل وغير مناسبة على الاطلاق للواقع المحلي، لقد كان مشروعا يعول عليه في القضاء على البطالة وهو تصرف قد يوصف بالثورة في بلد غالبية سكانه شباب، ومع ذلك فشل المشروع بعد اقل من سنة من اطلاقه وتحول الى مسالة إنعاش بعد بالموت وتصرفات جد مرتبكة في سياق يزداد فيه ضغط البطالة يوما بعد، من الخرجين والشارع الحقوقي النشط الذي بدأ يكون ضميرا حيا للحكومة يؤنبها في كل فرصة.
المشكلة الكبيرة أن كل الجهود الساعية للتغير التي شهدت البلاد خلال سنوات عديدة كانت جهودا متفرقة وبعيدة كل البعد من منطق تكتيل المصالح الذي دعا له آرون ليبهارت، فالتوافقية مفقودة حتى في عملية خلق التغيير ذاتها وذلك نظرا لان الحراك الذي يعول عليه في خلق الثورة هو حراك مشتت بشكل داخلي، فهناك نضال للكور وآخر للحراطين ولمعلمين ونضال للإيكاون وظهر اخر للبيظان! (...)، ثم أخيرا نضال للشباب والنسوية وأهل الجنوب واهل الغرب والشمال أيضا، كل هذه النضالات التي يعول عليها في ثورة تغير هي نفسها في شتات داخلي يعوق تقدمها.
في ظل هذا الشتات في النضال أصبحت الأنظمة السياسية التي تعد هي العدو الأول للشعوب تعلب دور المنقذ من خلال تطبقها لقاعدة تشومسكي "حول خلق عدو للشعوب ثم الظهور بصورة البطل المنقذ" هذا بالضبط ما حدث لقد تم توجيه مسار الثورة إلى فعل واحد والى مرحلة واحدة، فحين يكون نضال الحراطين واجهة يصبح الأمر معاداة للدولة وحين يصبح نضال الزنوج تكون القضية قضية تشتيت الوحدة الوطنية وتقسم الامة... وهكذا.
الأنظمة التي لعبت بقوة لعبة التنظير بشكل عالمي والتصرف بشكل محلي، ظلت دوما قادرة على تشتيت الموحد وتوحيد المشتت في ظل أي ظرف مهما كان المهم ما يجبنها الثورة دوما مع أنها فاشلة في خلق أي مستوى من التنمية.
فأي ثورة نحتاج؟ وكيف؟
(يتبع...)
تعليقات
إرسال تعليق