نحو نسوية موريتانية فاعلة




(...يقوم الفكر العلماني العربي بنقل أطروحات الاستنارة من الغرب بكفاءة غير عادية تبعث على التثاؤب و الملل أحيانا، وعلى الحزن والغم الشديدين أحيانا أخرى،فهو ينقل دون أن يحور أو يعدل أو ينقد أو يراجع)
الدكتور عبد الوهاب المسيري، فكر حركة الاستنارة و تناقضاته.
***
بداية حين نقول نسوية، نقصد أي إنسان مؤمن بمبدأ معاملة المرأة كشخصية كاملة الحقوق والواجبات في ظل دولة المواطنة، أي الإيمان تطبيقيا أن المرأة محرك لكل ما هو كائن الآن و ما يجب أن يكون في المستقبل من تنمية وأنها ضمن الفواعل الحتمية لمسألة بناء الدولة التي نحتاج.
تزامنا مع الحراك الذي شهده الشارع العربي عموما، شهدت موريتانيا حراكا نسويا مهما، يسعى إلى وضع القطار على السكة بشكل جاد بشأن حقوق النساء في بلد ما زال يعتبر التقليدية كنظام عرفي سلوكا أخلاقيا أكثر من أي شيء آخر.
إلا أن هذا الحراك كغيره يعوقه الكثير من وسائل الأداء النضالي، التي بالرغم من توفر أدوات البناء إلا أنها لم يتم استغلالها بما يكفي لتعطي نتائج أكثر فاعلية و تأثير يحسن من وضع المرأة.
هذا الحراك الشاب عمريا والنسوي من حيث النوع، اختار عباءة اليسار وهو ما حد من فاعليته بشكل كبير، لأن النظرة التاريخية التي تواجه اليسار الموريتاني تجعل كلمة "يساري" مرادفة لكلمة "كافر"، مع ما تحمله هذه الأخيرة من قدحية في السياق الإسلامي، أي القضاء كليا على أي نوع من التعاطف مع هذا المشروع المهم للتنمية و أي نقلة ينشدها البلد مستقبلا، باعتبار التمثيل الديمغرافي للنساء في المجتمع وحتمية مسالة العدالة في مجال النوع.
ولكي يستطيع الحراك النسوي تحقيق الآمال التي بنا لنفسه، وتحقيق التغيير المنشود لقائمة طويلة من النساء منتهكات الحقوق والعالقات قسريا في سياق مجتمعي ظالم في الغالب الأعم، ويعتبر المرأة جزء من وسائل الإنتاج، سواء تعلق الأمر إنتاج الأجيال القادمة أو الإنتاج المنزلي الداخلي...الخ. لا بد لهذا الحراك النسوي من الخروج عن التخندقات الموجودة، و ذلك من احل التأسيس لتجربة موريتانية في مجال النضال النسوي، فعدى عن أن أي تخندق هو دفاع عن قدامة ما، فإن مرْتَنَةَ النضال مهمة هي الأخرى، لان الأنماذج المتخارجة مع أي سياق يصعب عليها خدمته ليثمر تغيرا جادا بالشكل المطلوب، فأي نضال ليأخذ حقه في الشارع لابد له من أن يكون قادرا على فرض استقلاله أولا وبعيدا عن أي تحيزات سابقة، ويتحدث بلسان ذلك الشارع.
هذا مع التأكيد أن التحرك الجاد نحو الوطنية أو المواطنة، أي أن تكون النسوية مشروعا جامعا، تجد/يجد فيه السلفي/ة و الوهابي/ة واليساري/ة و حتى الأجيال الأكثر تقليدية من نوعية _في انتظار ولد عمي يتزوجني_ ...الخ نفسها، فمن المهم أن يشعر كل هؤلاء أن كرسيهم ينتظرهم في هذا المشروع الوطني نساء ورجالا.
وهذه المرحلة بالذات هي المؤسسة للخطاب النسوي، الذي يحرق الكثير من الجهد حاليا في حرب ضد ما يسميه [الذكورية]، وهي مواجهة مستحيلة التبرير علميا كون الرجال أكثر من يعاني من الذكورية، كما أن تراث هذا المصطلح هو تراث سوسيولوجي علمي وليس تراثا نضاليا، مما يعوق مثل هذا التوجه بشكل كبير في خلق أنصار هذا الخطاب حتى في الأوساط التي توصف بالأنتليجانسيا.
مثل هذه الأشكلة المفاهيمية يجب أن ينتقل إلى تفكيك المركزيات المجتمعية، و في مقدمتها [المركزية حول الرجل]، التي ليست مفهوما مقابلا للذكورية، و إنما هي اقرب إلى السعي لتقاسم الحمل مع الرجل، و بالتالي إعادة النظر في الدور الاجتماعي لكل من المرأة و الرجل على حد السواء، بما ينصف المرأة تماشيا مع التحول الكبير الذي يحدث في المجتمع.
البعد الأخر في تفكيك هذه المركزيات، من المهم أن يشمل المركزية الأسرية التي تتولى عادة تقرير مصير المرأة أكثر من الرجل، خاصة في ما يتعلق بالزواج و مجال النشاط، وهو ما يعني أن الحقوق المدينة للمرأة، وتحديدا الزواج المدني يجب أن يدفع إلى الواجهة بطريقة ما، سواء من خلال مؤسسات رسمية أو مؤسسة المساجد كجهة تقوم بهذا الدور.
هذه المرْتَنَةَ أو تبييئ النضال، يفرض حتما أسلوب تعامل جديد مع نمط التدين القائم، بطريقة ما، تساهم في توحيد المنصات من أجل تسهيل عملية تبادل الآراء، خاصة أن الفعل التديني جزء مهم من عملية الأشكلة والنقاش في المشروع النسوي الموريتاني، عكس مشاريع نسوية في مجالات أخرى يعد مدى الدين فيها أضيق بكثير.
بطبيعتها أي عملية نضالية هي فعل متشعب، و ذلك بسبب ما يصفه باركلي بالاختلاف في الفكرة حين تصل مرحلة التطبيق، فإن الجميع متفق فعلا مع حصول المرأة على حقوقها، ولكن مسالة الاختلاف تكمن في مدى تلك الحقوق وحدودها في الفضاء العام، وهو الجدال الذي على من يتصدر الحراك النسوي التعامل معه بصبر و انفتاح على كل التيارات والفاعلين، لان المشاريع المجتمعية أكثر ما يقتلها أن تصبح منبوذلة في وسطها الاجتماعي الذي تعمل من أجله.
#تبصير_سياسي ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سياسات التشغيل في موريتانيا و دورها في الحد من البطالة

وقفة مع رواية الأستاذ الشيخ نوح "أدباي"

لقبيلة في تجليّاتها المُختلفة.......عبد الودود ولد الشيخ