عن ساسة و سياسية المبادرات
أسهل طريقة لصنع نظام سياسي فاشل جدا، هي تحويل ما هو سياسي عمومي إلى مركز استدادر مصالح فردية و طائفية .
في كل مرة يظهر الفعل السياسي الموريتاني ضحالته المنقطعة النظير خاصة على مسوى الفاعلين و انتاج الفعل السياسي نفسه كمظهر للحال الحام او لتمظهر تموقع السياسة في الفضاء العمومي كوسيلة لصنع القرار و بناء الامة على اسس مدروسة و واعية.
فمنذ عهد الرئيس معاوية سيدي أحمد الطايع بدأت المبادرة السياسية تتموضع بشكل جلي في مركز الفعل السياسي، بل و تصبح أحد ميكانزمات تحليليه الأساسية، فكانت زيارة الرئيس تفرض مع الجهود الرسمية العمومية على رجال الاعمال و مراكز العصب القبلي ان تقوم بمبادرات موازية هي الاخرى من اجل اثبات ولائها بعتباره ضمان الحصول على نصيبها من الريع العام سواء في المشاريع او الطرق أو الضروريات الاخرى مهما كان نوعها وطبيعتها .
كانت هذه التمظهرات تصنف حينها في اطار قوة الاستبداد السياسي بل و تبرر بمنطق شعبي عادي (الدولة ما تعارض ) و لكن مع الوقت اصبحت المبادرة الاستدرارية مبدأ سياسيا دارجا جدا مع أي تحول سياسي تشهده البلاد، ففي العام ٢٠٠٥ إبان الانقلاب على الرئيس معاوية سيد أحمد الطايع و فور نجاح الانقلاب كانت كل القرى و البلديات النائية جدا عن المركز، تشهد مظاهرات مؤيدة و تناقلها الاعلام الرسمي و يتباها فيها شيوخ القبائل و العمد و الزعماء المحليين، ذلك النمط بالذات هو الذي جعل الساحة الموريتانية تشهد انفجارا مخيفا للمبادرات ذات الطبيعة الوقتية و الربحية (التصفاك) بلغة أكثر واقعية.
السنوات اللاحقة لم يستطع اي كان السيطرة على هدير محرك المبادرات و مطالبها التي تفاقمت حتى وصلت دستور البلاد أما ما دونه فحدث و لا حرج، فكان التلفزيون الواحد يبث وقت الذروة السياسية عشرة مبادرات في نشرة واحدة و الغريب أن هذه الكثرة تكون في ذات التوجه عادة، فالمجل تحولت سياستنا الى مجال للمبادرة من أجل المبادرة.
استمرت حركية المبادرات و المبادرين ففي اقل من ثلاثة اسابيع على ترشيح محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني، ضجت الساحة الموريتانية بعشرات المبادرات السياسية ذات الابعاد الجهوية و الطبقية و الشرائحية و الايديولوجية، ومع الكثرة المفرطة للمبادرات تأكد شيئا واحد كل مرة أنها مبادرات وقتية جدا وأن من يتصدرون يبحثون عن مصالح آنية أيضا و مكان في المشهد الجديد.
تحليل هذه المبادرات كفعل سياسي بحت يفرض حتما المرور بنوع السياسيين أنفسهم الذين يتصدرون هذه المبادرات فالاحصاءات تقول إنهم إما ملتحقون جدد يزمرون ليتلفت إليهم أو ساعون لكسب مقاعد أعلى او شباب أنهكهم طابور البطالة، أو طغمة مال ومصالح تسعى الى الحفاظ او كسب مجموعة مصالح، مع مبادرات تثبيت الكراسي التي يؤكد التاريخ السياسي القريب أنها الاهم للبقاء في دائرة الضوء.
هذه المبادرات و التي تتغذى على أحلام جماعة السلم سواء من الشباب او العاطلين او حتى من الموظفين الذين طال انتظارهم للترقية او يحتاجون للحفاظ على كراسيهم على الاقل، يمكن الان الحكم انها اصبحت متغيرا اصيلا في تمظهرات السياسة الموريتانية، أنه بات من الواجب تهذيبها لتكون مساهما في تفعيل المشاركة السياسية .
هذا النمط السياسي و الذي يزدهر دون ان يكون هناك تاطير له او الوعي بضرورة تكتيله في مصالح عامة تخدم فئات اوسع و يفرز مناضليين اكثر وعي بالواقع و يحملون هما عاما، سيكون عائقا سياسيا حقيقيا و سيصبح مهمازا يستخدم ضد السياسة و السياسيين أنفسهم، خاصة مع التطور الكبير في سرعة التوثيق و الارشفة التي تفضح بشكل يومي عشرات الافراد من ممتهني المبادرات بل إن سلطة التواصل الاجماعي اليوم هي التي تلبس المبادرات و اعضائها الشرعية و ترفعها متى شاءت اي أن المصداقية بالنسبة لهذه المبادرات على المحك طالما هي فعل لحظي براغماتي تموت فيه أبسط مبادئ ولوج الفضاء العام.
#تبصير_سياسي
#كامل_الوطنية
تعليقات
إرسال تعليق