الفن بلغة أخرى 2 ...



... تبقى فكرة التعبيرية ظاهرة موسيقية بحتة فمختلف الاشوار و الاغنى تحمل دلالة ما قد تكون بنية تحليلها من الداخل و وشائج ارتباطها بسياقها الاجتماعي شيء لا غنى عنه لفهم مصادرها كتجربة انسانية .

و يمثل شور (ببيني حكل ببيني...) أحد أوجه تلك التعبيرية الاكثر معاصرة، فمن نافل القول ان (اتببي) الرنين على الهاتف المتصل عليه صفة قدحية و علامة للفقر بطريقة ما او على الاقل انتهاء الرصيد،
ولكن في عرف العلاقات العاطفية التي بات الهاتف جزء منها فانه تحول الى ماركة عاطفية بامتياز، فالفتاة تببي حين تكون في وقت فراغ في استعداد لسهرات عاطفية على الهاتف او ان تكون قد وصلت الى مكان الميعاد، بل انها تببي فقط الشاب الذي تريطها به علاقة عاطفية عكس علاقات العمل و الجيرة و القرابة التي يحكمها تبادل الاتصالات، فكان هذا الشور عبارة عن هذه الحالة بشكل بحت و مباشر في السياق الموريتاني دارج جدا بين قيدات و قيود هذا العصر.
في حين نجد ان معظم الاشوار كانت تسير في هذا الاتجاه و هو انها مرآة لما لم يقل في المجمتع، و خاصة الفنون ذات الطبيعة المجتمعية كبنجة و اسبينسات و حتى تكرة، فكلها تعبير عن تفكيك لميكانيزم تعبيري او ميتوس معين لجماعة بعينها فنجد ان" الخادم دنك تكبظي " غناء و اداء هي تجسيد لقصة اخذ الحرطانيات من ادوابة الى اسيادهم في صراعات مهيبة بين لمجمبرين من الحراطين ( سكان ادابة بالمجمل هم مجموعة من الخارجين من الاستعباد)، و الاسياد، و نفس الشيء في ( طالب بوي ج مجنون) التي هي الاخرى امتداد لتلك الثورة الاجتماعية و التي لم يتح لها ان تدون لاسباب معروفة و الامثلة كثيرة .
هذا في ذات السياق الذي نجد فيه ان (عدل ماتيدة ...) بالرغم من عدم دلالة الكلمة الجنسية الخالصة الى انها تحولت الى تعبير جنسي بحت حتى دلالة الكلمة اصبحت تنطق مخالفة تماما لاصل دلالتها، فتحتى الكيفان في ذات الشور اصبحت اكثر دلالة على البعد الجنسي مع الوقت (البارح فالصح أنا وذ الصيدة عدلنا لبرح حك فماتيد)، و اصبحت هذه الاغنية او الشور يتداول في السياق العام كوجه تعبيري عن حالة عاطفية مباشرة،
وقد استطاعت لغة الفن نقل الثقافة و اوجه الاحتكاك مع الاخر فنجد ( حبيبي طول ماجاني .) و ( لاكشمي باي )... ووغرها كثير من الرموز التي نقلت الى الفضاء العام من خلال البعد الموسيقي، و تغيرت دلالتها من المسكوت عنه و المكبوت الى التداول العام و العادي و ذلك من خلال الفن و الفن فقط .
المرحلة الاخرى هي مرحلة فنانو الطبقات و التي ييدو انها اصبحت هي الواقع المعيش، فكرمي و علية و غيرهم من نخبة الفنانين اصحبوا فنانين لنخبة المجتمع نظرا لاجورهم العالية، في ما بدأت الطبقات الاخرى تنتج فنانيها الخاصين بها و تطور فاصبح للاسلاميين منشدوهم و اغانيهم التي تمجد سياقاتهم و لاهل الكبات و الضواحي فنانيهم من قبيل اسويد احمد و الغزالي و الزبير و نبقوها التيجانية وبناتها و اسلم وغيرهم خلق كثير ممن هب و دب، في ما بدأ المدح و بنج يتسرب في طبقات اخرى من المجتمع خاصة الاكثر محافظة. وحتى الدعوة و التبليغ اصبحت تستعيض بالمحاضرات في مناسباتهم عن جميع اشكال الفنون .
هذا التحول الاخير يعني ان الفن سيصبح اكثر تحررا وخروجا عن السياق العام لانه يعبر حالة مجتمعية معينة و بالتالي سيكون اكثر واقعية وصدقية، فان غنت كرمي في جمع نخبوي توقع ان يعيد الزبير نفس الاغنية في احياء الضواحي ولكن بالحان و دلالة اكثر شعبية و بعدا عن القانون الموسيقي و هو ما يعني انه حتى دلالتها الاخلاقية معرضة للتبديل كليا لتتناسب مع من يستمع لها و الا فان تجارته ستكسد حتما لانه لا طاقة له بمنافسة كرمي في حال قرر تقليدها كليا .
هنا بالذات نجد ان موسيقى المروح تختلف بين الطبقتين من الفنانين ففي جهة هناك (شالت راص انعامة و قد سمعت سلمى و ما انجوكم ما جبناها ...) و في الطرف الاخر ( نجد العريس يبقيه و ادور اتم اماريه و اسسيه ...) و هو ما يظهر اختلاف الفن حين يتكلم بغلة مجتمعه و سياقه، عندها يكون فقط فن بلغة أخرى أي بلغة اجتماعية .
مراجع النصين
محمد عالي بلال رئيس مركز ترانيم
Mohamed Ali Bilal
اختي الصغرى .. خراطة حقيقية في اعراس الضواحي
‏مريم الوالد البمباري‏ (‏مريم الوالد البمباري البنباري‏)
هاوة اسلم... بنجاية يغير حسها ماه زين
Hawa Isselmou

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سياسات التشغيل في موريتانيا و دورها في الحد من البطالة

وقفة مع رواية الأستاذ الشيخ نوح "أدباي"

لقبيلة في تجليّاتها المُختلفة.......عبد الودود ولد الشيخ