الدولة بين مدى السلطة و فرض التعددية
الشيخ الحسن البمباري
تعاني ما توصف في العالم الثالث بالدولة المستوردة من ضياع هُوياتي يؤثر على طبيعة الدولة نفسها و يربك مسيرتها في اتجاه الديمقراطية، خاصة أن مثل هذا النوع من الدول الذي انتشر ما بعد انكماش الامبريالية الأوروبية، مازال يعاني من ضياع تام، فهي بالرغم من النصوص التي تقول إنها مشابهة للدول الأوروبية"المصدرة" إلا أنها في الواقع و التطبيق مختلفة تماما عن نماذج الدول الغربية الأكثر ديمقراطية وحكامة ... .
هذه الهوية الضائعة بالذات هي التي فرضت نفسها في المشهد السياسي الموريتاني الذي يعيش ظاهرة سياسية متفردة، ذلك بالإعلان عن حملة صهر عدة أحزاب في حزب الاتحاد من اجل الجمهورية"حزب الدولة" –مع التنبيه أن بعض هذه الأحزاب هي اكبر زمنيا من حزب الاتحاد – و هو ما يعني أن هوية الحزب السياسي بحاجة للعودة للفضاء العام من اجل مزيد النقاش و إعادة التدقيق، خاصة في فضاء تستحكم فيه القبائلية و الشخصنة للمؤسسات الحزبية و اختصارها في أفراد.
عملية التقويض التي تعيش الأحزاب اليوم تعني أن هذه الأحزاب هي الأخرى لم تكن إلا جزء من نفس المنظومة، أي أنها كانت أحزاب مرحلة و شراء شرعية من قبل المنظومة الحاكم من اجل تلطيف الوجه الخارجي، في حالة معاكسة تماما للتصرف المحلي، الذي أبقا هذه الأحزاب في إطار مدى سلطة الحاكم تمدد و تطوى على المقاس الذي يناسبه، و حسب حاجته، ففي الوقت الذي قررت المعارضة التقليدية الأحزاب ذات الوزن السياسي مقاطعة الساحة، ملأ المشهد بالعدد الكافي من الأحزاب التي توفر المشروعية لأي عملية انتخابية أو تغير في المشهد السياسي.
سياسيا أكدت آخر انتخابات المقولة التي ترى أن معظم الأحزاب في موريتانيا هي "أحزاب اللبنة و أحزاب اشراويط" الشاعر احمد ولد الوالد، فما يقارب المئة حزب ظهرت في اللائحة الانتخابية، لم تحصل نسبة 3% من هذه الأحزاب على نتائج مرضية، و هو ما يعيني أنه حتى قبول حزب الاتحاد انصهار هذه الأحزاب داخله، مدرك انه اندماج رؤساء هذه المؤسسات و ليس اندماج قواعد شعبية أثبتت الانتخابات أنها غير موجودة أصلا.
في الفلسفة الكلامية الإسلامية هناك جدل قديم جديد أن " الصفات ليست هي ذات الله كما أنها ليست العكس"، بالمحصلة و إسقاطا لهذا الجدل الفكري على الواقع المحلي، فان هذه الأحزاب و من خلال تجاربها السابقة لم تكن يوما حزب الاتحاد من الجمهورية ولكن نفس الواقع يقول إنها لم تكن إلا نفس الحزب، فقد أنجحت رئيس البرلمان و المشاريع القانونية قبل ذلك، و شاركت و دعمت ولم تسجل عليها ولو مرة واحدة أي كلمة انتقاد ضد الحكومة، انه التماهي نفسه الذي يعني أن هذه النوعية من الأحزاب سواء حلت أم لم تسكون أول من يبتل في حال أمطرت على حزب الاتحاد من اجل الجهورية .
للعبرة ....
يقال أن رجلا كان يؤمن إيمانا لا مثيل له، و في احد الأيام غرق في البحر، فوجد خشبة و تعلق بها، و كان متأكد أن الله سينقذه، بعد وقت مر صياد و لما طلب منه الصعود على الزورق رفض قائلا (إن الله سينقذني)، ثم مرت سفينة و كرر لركابها نفس القول السابق، بعد وقت غرق الرجال و "مات".
عند ما لقي ربه، سأل لماذا لم تنقذني، فكانت الإجابة (هل تعتقد أن الصياد و السفينة أرسلهما أبواك ؟).
و لنا اليوم جميعا أن قرر من منا هو الصياد أو ركاب السفينة أم نكون الرجل الغريق .
تعليقات
إرسال تعليق