الكيس من دان نفسه ...

الكيس من دان نفسه ...
استهلال
اشتكى الحمار إلى أسد الغابة من اعتداء النمر عليه دون مبرر وأنه يطلب منه دائما ارتداء قبعة لا يعرف عنها أي شيء و لا علم له بها ، فقال الأسد سأحل  المشكل ، ناد النمر وقال له ما قصة القبعة التي تضرب الحمار من اجلها، فرد النمر إنها مجر حيلة  لضربه، فقال الأسد ابحث  عن سبب مقنع، قل له أن يأتيك بتفاحة فإن أتاك بها حمراء اضربه و  قل إنك تريدها خضراء و العكس ، لما التقى النمر بالحمار  قاله اذهب و أتني بتفاحة ، فسأله الحمار حمراء أم خضراء؟، فانهال عليه بالضرب لماذا لا ترتدي القبعة ... الم اقل لك أن تلبس القبعة ... .

----
للمتابع للساحة السياسية الموريتانية أن يدرك أن حالة الارتباك التي تسود المشهد في جميع أبعاده نتيجة لـــلامعيارية في الأحكام و غياب عنصر مهم عن ساحة الصراع بجميع أبعاده السياسية و الاجتماعية و الحقوقية و النضالية ...، و هو عنصر التحكيم (l’arbitrage  ) ، أو ما يوصف سياسيا بالشخصيات المستقلة، أو المرجعية (التي باتت تتسامى على الايدولوجيا) ، هذا العنصر الذي يتم تجاهله كثيرا في نضالات موريتانيا الكثيرة و المتشعبة يجعل دائما أي وجه نضالي إما متطرف في ردة الفعل أو مائع في الفعل نفسه ، و بالتالي يفقد معناه و لا يحقق هدفه .
فبفعل غياب الشخصيات الرمادية التي (لا إلى هؤلاء و لا إلى أولائك ) – وليس المقصود هنا ممارسة النفاق أو التقية – بل أن تكون هذه الشخصيات أو المحكمين يقفون على مسافة واحدة من جميع النضالات و الحركات و التنظيمات و قادرين على تقييماها بشكل صحيح و تقديم الرؤية التي تساهم في تقويم مسارها ، و ليس تقييمه بالضرورة .
فالسياسي في موريتانيا ميدان للمراء و النفاق و المحسوبيات و التبعيات العمياء ، لان القاعدة السياسية المعمول بها في موريتانيا  التي دُمُقْرِطَتْ (من اصطناع حالة ديمقراطية )  منذ العام 1994 ، فان كنت مواليا (دخل ش ولا روحك تمشي ) ، و إن كنت معارضا عارض دائما حتى و إن كانت هناك انجازات (عدل راصك ما اتراعي فاسم)، و هو ما خلف على مر السنوات ديمقراطية عرجاء لا تقوم فيها المعارضة إلا بالمعارضة و لا تمارس فيها المولاة إلا فرض القرارات بقوة الصناديق المشكوك فيها أصلا .
و مع العشرية الأخيرة حين ركبت نضالات الحراطين موجة الإعلام الجديد-بعد سنين من النضال شبه الحصري و المحاصر- و أصبحت هما عاما تخطى الجهة و الأفراد، لتتحول إلى قضية رأي عام ، غياب أيضا (التحكيم ) و أسوا ما في هذا النضال الذي سهل تصويره كنضال عنصري يسعى إلى تبديل عنصرية بأخرى ، و لأسباب معروفة أن الضحايا كانوا هم أنفسهم المناضلون ، و هؤلاء ليسوا بحاجة إلى من يعقلن نضالهم بقدر ما يبحثون عن التعاطف، لذلك كانت منصات هذا النضال ترتفع بمن فوقها دون أن يعني ذلك أن الطرف الأخر يستمع، و في الساحة التي لا حَكم فيها إما أن تكون معي أو ضدي ولا يوجد خيار ثالث .
تأثير غياب التحكيم في الساحة الموريتانية بادٍ جدا للعيان و لا يحتاج إلى كثير تدقيق ، و لكن المشكل  أن كثرة المنصات لا تؤدي إلا إلى مزيد من الإرباك و مزيد من التعصب في المواقف ،خاصة أن المنطلق  واحدة لماذا انزل أنا إليك و لا تنزل أنت . و لكن المشكل الحقيقي أن الهوة كبيرة بين المنصات و انه لا يوجد خط وسط أو نقطة تلاقي فحتى عملية النزول باتت  مستحلية ، لأن الذي يتبنى خطابا اليوم لا يستطيع العودة عنه إلا إذا كان مستعدا لاعتلاء منصة العلامة و الخيانة و الانبطاح، كما فعل رفاق الأمس مع المناضل احمد ولد أبيه .
المسالة اليوم في موريتانيا ليس إن شمال البلاد سيطر على الثروة أو أن الجيش متنفذ و الحراطين و الزنوج متعصبون ، ثم أن السلفيين متزمتين و أن العلمانيين في حالة خواء مطلقة ، و أن الكادحين لا هم لهم اليوم يفعلونه .... الخ من حالات التناقض ، الأمر أعقد من كل ذلك "و هو أن موريتانيا ليس فيها شخص أو جهة أو مجموعة مستعدة للعب دور الحكم الذي يهمه فقط الحكم بالعدل و لا يريد مشجعين الذين هم من ميزات الأندية و جماعات أخرى).
على سبيل التشابه يعتقد البعض أن الطرف الثالث قد يكون حكما أو وسيطا و لكن الحالة الموريتانية تثبت العكس ، فلا الأمن أو الإعلام العمومي أو المؤسسات العامة الخدمية و غيرها، لا تنظر إلى نفسها كمُلْكٍ عام، بل تحسب أنها  جزء من معادلة المغالبة و المناصرة و صراع البقاء .
----

هل تذكرون الحمار الذي تحدثت عنه في البداية ؟، كان النمر يضربه لأنه يعرف أن الأسد يخاف من قرونه و بالتالي هو يسعى إلى  كسب احترام الأسد ، و لكن الحمار المغلوب على أمره و من فرط الغباء قال للأسد ذات يوم إن تلك ليست قرونا  و إنما أذنين ...! 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سياسات التشغيل في موريتانيا و دورها في الحد من البطالة

وقفة مع رواية الأستاذ الشيخ نوح "أدباي"

في السياسة ...