أحد المفاتيح الألف للتحول في موريتانيا
سئل كونفوشيوس ذات يوم ما هي أسس قيام أي دولة فقال (الجند
، الغذاء ، الثقة . فقيل له أيهما لا غنى عنها فأجاب (الثقة) ) .
---
تشهد موريتانيا حالة من الوعي بالذات بعد سنين من حالة
الوعي في الذات بسبب النظام الاجتماعي شبه المنغلق ، و قد مثلت مرحلة الوعي هذه حالة شد و جذب في عدة مجالات و أخذت
عدة وجوه منها الإنساني و السياسي و الاجتماعي ، فيما تم الدفع إلى عدة مقاربات
لامتصاص [حالة إدراك الذات في مقابل الأخر] مما جعل البلاد تعيش في السنوات الماضية
حالة من الترقب لازمة اجتماعية ، خاصة بعد الكثرة الكبيرة التي شهدها التحركات الإثنية
التي أخذت شكل تجمعات حقوقية في الحراطين و لمعلمين و لكور (ساكني الحضر )، فيما اتجه إيكاون إلى تنظيمات نقابية .
المتابع للساحة الموريتانية يتأكد أن الحديث يدور حول
شرائح متضادة و إن على مستويات عدة ، فعلى الرغم من أن الحسانية تجمع غالبية
الشرائح فإنها كثابت لم تستطع أن يكون لها دور في سيل الاختلافات الرمزية الثقافية
و الوظيفية في البنية الاجتماعية ، هذا مع
بروز اللهجات الأخرى التي لا تجعل لبعد اللون معنى في الطرف الأخر للمعادلة ، التي
تتعقد كلما كانت النظرة ثقافية أو اجتماعية بحته .
إلا أن مؤشرات أخرى يمكن الاعتماد عليها لفهم الجدل
الشرائحي القائم في موريتانيا، و مقاربته مقاربة أكثر واقعية و اقل سوداوية من المقاربة
السياسية التي تؤكد تغول شريحة واحدة على بقية الشرائح ، و المقاربة الاجتماعية
التي تكرس التقسيم الوظيفي للقبائلية دون تقديم إبدال مناسب لتعطل وظائف بعض عناصر
النسق الاجتماعي (الحراطين – لمعلمين ...) ، أو المقاربة الإنسانية التي تسعى إلى
حلول لا تضمن الاستمرارية و تركز على طرف واحد (الضحية) في النسق ككل و هو ما يجعل
حلولها جزئية .
ما غاب عن بعض المهتمين بالفضاء الموريتاني هو أن صناعة الخطاب
في مثل هذا النوع من المجتمعات لا تتم عموما من خلال النخب ، بل مفهوم النخبة
نفسها يواجه الكثير من العوائق بسبب سيطرة التراتبية الاجتماعية و التي تحدد مسبقا
مصادر استقاء المعلومة و منابع التغيير في
البنية نفسها ، كما أن النخب -الخاضعة للوصاية الاجتماعية - قد انقسمت إلى نوعين ،
إما نخب نزلت إلى ساحة الصراع و الجدال و هو ما افقدها الحيادية المرجوة من
النخبوي ، و بالتالي لم تعد قادرة على القيام بدور التحكيم. لذلك هي اليوم جزء من
التأجيج فقط ، و نخب بقيت في أبراجها العاجية و لم تستطع فتح قنوات اتصال مع
الشرائح و ساحات "النضال" و بالتالي هي نخب إما تنظر لنفسها أو للغرب و
خطاباتها بالعادة ليست موجهة للساحة المحلية على الإطلاق .
قد يكون من المبرر الخوف من تطور حالة الطوارئ التي عرفتها
موريتانيا اثنيا في السنوات الماضية ، و لكن الواقع يقول إن مؤشرات التوتر تسير إلى
الانخفاض ، و لا يعني هذا أن المسألة قد حلت ، ولكن المرحلة التي مرت بها
موريتانيا هي حالة انتقال طبيعية ، و مرحلة مراهقة و مشاكسة اجتماعية أساسية في
تشكيل الأمة ، فمن المهم أن تعيش مختلف الشرائح حالة الوعي بالذات و إدراكها مقابل
الأخر الذي إن كان مناقضا في الشكل و اللسان إلا انه حتما شريك في الوطن ، و يجب
بناء الثقة معه في سبيل السير نحو التعايش ، الذي يعد هو معيار البقاء للأمة
الموريتانية "التي حسب رأي توصف امة تجاوزا "و لذلك بسبب شبه الفشل في
نحت شكل الدولة التي تريدها مختلف الشرائح .
إن مسألة بناء أمة (مجموعة من الناس تجمعها ثوابت ثقافية و
اجتماعية معينة) ، هي المرحلة القادمة حتما ، و هو ما يجعل التعايش ضرورة لا مناص
منها ليس لشيء إلا أن الفضاء الموريتاني هو فضاء تكاملي و همزة وصل بين شمال و غرب
القارة الإفريقية و كذلك المنطقة العربية ، و لكن التعايش نفسه يحتاج إلى خلق خبرة
جيدة في مجال التحكيم لتفادي النزول للشارع[ الكل ضد الكل] و بدون وسيط محلي ، مع إثبات
الوسيط الدولي و الإقليمي فشله في كل أنحاء العالم و في مختلف الأزمات من البوسنة إلى
اليمن اليوم .
المؤشر المهم الآخر بعد التعايش و التحكيم هو الثقة ، و مع
أن الثقة هي التي يرد لها الفضل في حالة
الوضعية (بالمعنى العلمي الاجتماعي و السياسي) التي يعيشها المجتمع
الموريتاني ، إلا أن هذه الثقة الأولية
(على لغة دوركايم) القائمة على أسس
اجتماعية و قرابية قد لا تصمد طويلا خاصة أن الشرائح الاجتماعية في موريتانيا تشهد
ميلاد أجيال اقل إيمانا بما هو قبلي أكثر
من أي وقت مضى .
إن حل أي مشكل هو عملية إرادة جمعية من كل المكونات و
الشرائح و بحضور الجميع ، إلا أنه بغياب التحكيم و الثقة يصعب على أي مجتمع الوصول
إلى مرحلة التعايش كمرحلة طبيعية للوصول إلى الدولة فالأمة ، و التين تعدان مسالة أساسية
لبناء مواطنة الحق و الواجبات و التي أصبحت مطلبا ملحا في موريتانيا يجب تحقيقه و الآن
، و التين يضمن قيامهما (الدولة – الأمة) إفراغ الشريحة من حمولتها العرقية و
الاجتماعية و أن تتحول إلى مجرد مفهوم اقتصادي في إطار مجتمع الطبقات المفتوحة .
تعليقات
إرسال تعليق