الحراطين في موريتانيا : بين القبض و البسط في المواطنة
الشيخ الحسن البمباري
كلما تحدث أحد مناضلي الحراطين أو الداعمين لقضيتهم عن التهميش و الفقر و الواقع المزري الذي تعيشه الشريحة في موريتانيا ، حتى يطل من الجهة الأخرى صوت "إنكم شرائحيون ، و انطوائيون ، متذمرون ،عنصريون، انعزاليون ، وقد يصل الأمر حد التعبير "انفصاليون" ... ، و تبدأ الخطابات عن دولة المواطنة و المساواة على طريقة أفلاطون ، ويقدم لنا عالم مثل يسكنه مجموعة من مثقفي غرامشي و أشباههم ، ولكن الواقع يقول (إن الفقر و التهميش ليسا هما سبب الثورة بل الإحساس بهما هو ما يحرك الشعوب) المقولة للدكتور محمد سيد أحمد فال الوداني .
لا يناقش احد أن الفقر و التهميش هو حالة موريتانية عامة و لكن الذين يشعرون بهذا التهميش و باتوا مدركين أنهم في وضع لا يحتمل و يستحق التحرك لأجله ، لا يجوز لأي كان في ظل دولة القانون أن يعيق هذا المسعى ، كما لا يملك أي سبيل ليكون وصيا على المطالب المشروعة للحراطين و غيرهم من الموريتانيين الذين استطاعوا أن يعوا حاجاتهم السياسة و الاجتماعية و الاقتصادية و ضرورة تحقيقها و الآن ثم التحرك من أجل ذلك .
على الذين يتعلقون بعرش الوطنية أن يدركوا أن المواطنة ليس قبعة تخلع صيفا و تلبس شتاء حسب الأهواء و الأزمنة و الأمكنة ، بل هي القدرة على بناء دولة مباركة يمتد فيها العدل و المشاركة العامة إلى كل زاوية من الوطن ، و أن تصل الحقوق جميعها لكل إنسان مهما كان وضعه و مكانه و مكانته، كما عليهم خلع نظاراتهم السوداء في غرف الظلم المظلمة و يعرفوا أن الحقوق لا تعطى بل يطالب بها ، و إن المواطنة لا تصمم على مقاس أحد بل هي قمة غض النظر عن الحسب و النسب في طوابير التوظيف و التعليم و الصحة و الأمن... ، و لا تتحرك إلا من خلال وضع الأشخاص المناسبين في مواقعهم المناسبة .
لم تنجح موريتانيا بعد في سلك سبيل حكم مبارك يستطيع أن يخدم جميع الشرائح و الألوان الوطنية بكل موضوعية و في تناغم و عدل و إن كانت الصدقية تقتضي القول إن معادلة الموارد و الفساد يتفوق فيها الفساد بشكل كبير ، فانه على الجميع القبول بكل صوت على حدة و أن لا ينظر إلى أصوات الحراطين المطالبة بالعدالة كنشاز (إن لم تكن تسعى إلى التأثير على حرية الآخرين)، وعلى النخب الآن العمل على طرح رؤية عملية حول ديمقراطية تعددية في موريتانيا تكون بشكل ما قريبة للمحاصة الديمقراطية ، لان الديمقراطية العامة قد فشلت و ستفشل على المديين القريب و المتوسط ، بسبب سهولة بروز عامل (تشتيت الموحد ) كنتيجة للتعدد العرقي و الإثني في البلاد .
إن التدثر بالوطنية هو حجة مقبولة و منطقية في كل الأزمنة و الأمكنة ، و لكن التكرار أسهل طريقة للتعلم ، و الحراطين تعلموا من الماضي أن تكرار شعار المواطنة لم و لن يخدم قضيتهم ما لم يكن هناك عمل جاد و فعلي على ارض الواقع ، من اجل الرفع من واقع الفئات الهشة و تحسين المشاركة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية لكل الفاعلين الوطنين ، و إيقاف علمية القبض و البسط في المواطنة خدمة لتكريس التهميش و التخلف و رفضا للتغير البناء في بلد تجاوز عمرها نصف القرن من الاستقلال .
لا يمكن الطلب من أحد التفكير بما يراه الآخرون ، ولكن ان كان التصور فرع من المعرفة فعلى المتحدث تخيل نفسه في مكانين (الخميس صباحا في القصر الرئاسي و في أي وقت يشاء في ميناء الصداقة المستقل ) وكما يقول موظفو الأمن السوريين "فهمكم كفاية" .
تعليقات
إرسال تعليق