الإخوان المسلمون في موريتانيا بين الحالة المحلية و المرجعية العالمية



لا يخفى على المتابع للمشهد السياسي و الاجتماعي الموريتاني الصعود الكبير لحركة الإخوان المسلمين ، التي أخذت لنفسها مكانة معتبرة في المجالات السياسية و الاجتماعية خاصة من خلال قدرتها التنظيمية هذا مع الانكماش الذي تشهده التيارات الراديكالية البعثية و القومية وحتى اليسارية ، إضافة إلى حالة السأم السياسي التي يمر بها الشباب الموريتاني ، هذه الظروف تفرض على حركة الإخوان المسلمين في موريتانيا رفع التحدي و ان تعمل خارج الصندوق و لا تكتفي بالتفكير فقط من خارج نطاق الخزانات الانتخابية ، و ترشيحات المحسوبية ، و أن تعمل على ملئ الفراغ الناتج عن كومبرادورية الدولة و ضعف المشاريع السياسية القائمة حاليا في الساحة الموريتانية .
على مستوى المرجعية
تتأثر كثيرا الحركة الإسلامية في موريتانيا بفكرة الحركة الأم في مصر و غيرها إلا أن الإخوان في موريتانيا باتوا مطالبين بصياغة مشروعهم بعيدا عن المرجعية الاخوانية العالمية ، خاصة أن حسن البنا و سيد قطب لم يعودا بتلك الجاذبية بسبب التشويه الإعلامي الكبير الذي لحق لصورة الرجلين و الحركة بشكل عام و الربط بينها و كثير من الحركات الجهادية الأخرى ، التي و ان كانت قد احتكت بها  في مرحلة ما (صاحب كتاب الفريضة الغائبة الذي كان مسجونا مع قطب ، صاحب جماعة الهجرة و التكفير ...) و غيرهما من الأشخاص و الحركات التي جمعها في وقت ما طريق كره النظام القائم في مصر و غيره ، فكما فعلت التجربة التركية التي بنت أنموذجا تركيا اقرب الى العلمانية الإسلامية (إن صح التعبير) ، و حركة التحديث التي بدأت في ماليزيا و المغرب و النهضة و حماس مؤخرا ، على الإخوان في موريتانيا التعامل مع مشروع محلي بالاعتماد على المبدأ السياسي (التنظير بشكل عالمي و التصرف بشكل محلي ) ، فالظروف القائمة الآن اثبت أن المشروع الاخواني الموحد لم يعد قادرا على الاستمرار خاصة بعد ما وضع تحت الاختبار و الذي اثبت سطحية الفهم لمقولة "الإسلام هو الحل " فتجارب الإخوان القصيرة  نسبيا في الحكم عربيا  لم تستطع تقديم إجابات علمية حلو طبيعة الدولة التي يريدون مدنية أم دينية و أي مدى يأملون للشريعة هل يتعاملون معها في كليتها أم جانب الحدود و الأحكام ؟.
على الحركة الإسلامية في موريتانيا الاستثمار في مشاريع موريتانية و مرجعية ذات طابع محلي خاصة لأنها أكثر جاذبية محلية و حتى عالمية ، و بالرغم من التقارب  في الرؤى بل التماهي بين الإخوان المسلمون و الشيخ محمد الحسن ولد الددو و الشيخ محفوظ ولد الوالد (المفتي السابق للقاعدة) فإن الحركة الاسبلامية مجبرة على تكييف مشروعها ليشمل مدرسة الشيخ عبد الله  بن  بيه بالرغم من الاختلاف الكبير بين المسارين و لكن الإخوان في موريتانيا لديهم القدرة أن يكونوا أول جناح للإخوان المسلمين يتفاعل بشكل مباشر مع محور السعودية و الإمارات  ، و هو ما يجعل مشروع الإخوان الموريتانيين أكثر قدرة على الصمود خاصة في بلد بقيت ديمقراطيته مزاجية جدا و متقلبة إلى حد كبير .
على المستوى السياسي
الإخوان المسلمون في موريتانيا و من خلال حزب التواصل مجبرون على التفكير خارج الصندوق السياسي الموريتاني الذي ملئ تكرارا و تقليدا إما أحزاب في السلطة تتغير أسماؤها دون أن يعني ذلك تغييرا في الأشخاص و الوسائل و الأسلوب و معارضة راديكالية استبدت بها موضة المقاطعة و الممانعة في السنوات الأخيرة ، إضافة إلى حراك شبابي لم يجد بعد النصير السياسي و الاجتماعي المطلوب ، في سياق كهذا على الإخوان المسلمين أن يتجنبوا موضة المقاطعة السياسية و المشاركة إلى حد كبير في أي فرصة انتخابية  ، و لكن الأهم انه عليهم الابتعاد عن الترشيح على طريقة الشيخ و المريد ، فالحركات التي تحمل مشاريع تسعى للاستدامة عليها الابتعاد عن أسلوب الخزانات السياسية الذي عادة ما تنتهجه الأحزاب الحاكمة في البلاد ، فعلى الإخوان أن يتيحوا الفرص كاملة أمام الشباب و غيرهم مع العلم أن الحركة الإسلامية كانت أول مشروع سياسي ينفتح بشكل مباشر على لكور (ساكني الحضر ) و هو ما يعني أنهم مجبرون على تشكيل حزب بالمعنى التنظيمي و ليس جماعة دينية ، بأمير و رعية و هو الخطأ الذي حرك الثورة المضادة في مصر تحت  شعار "أخونة الدولة " .
على المستوى الاجتماعي
[قبل أن تقنعني أنني لست قمحا اقنع الديك أولا  أنني لست كذلك].
على الإخوان المسلمين العمل على إقناع الموريتانيين أنهم ليسوا القاعدة و لا داعش و أنهم حركة مختلفة تماما فهذا الخلط يؤثر كثيرا على القاعدة الشعبية للإخوان ليس في موريتانيا وحسب ، حيث كثرا ما ربط بين الإخوان و الحركات المسلحة الأخرى في المخيال المجتمعي الغير قادر على التمييز كثيرا في غبار الريات السود و الخضر .
و  إن تميزت الحركات الإسلامية في العالم العربي بقدرتها التنظيمية الكبيرة و لكن التدبير السياسي يختلف كثيرا عن التنظير الديني الدعوي ، و هو ما يعني أن الإخوان الذين يستثمرون كثيرا في التنظيمات الاجتماعية كواجهة لنشاطاتهم ، عليهم أن تدركوا أن الشباب ليس مستعدا أن يبقى فاعلا خيريا إلى الأبد ، و إن كان من المعلوم أن التنظيمات المجتمعية و الدينية للحركات الإسلامية هي الطريق إلى التنظيمات السياسية ، فان المسؤولية المجتمعية التي تحملها الإخوان في موريتانيا كبيرة جدا ، خاصة إذا علمنا أن سد الفجوة حيث فشلت الدولة و عجز المجتمع في بلد كموريتانيا يبد أمرا متعذرا ، لكن الفخ الحقيقي أن الذين يتلقون هذا الدعم ليس من المحتوم أن يكونوا مصوتين للمشروع الاخواني في أول انتخابات لان الميكانيزم المجتمعي في موريتانيا أقوى بكثير من الإرادة السياسية ، و حتى بطاقة التصويت كإرادة فردية حرة  لا قيمة لها في مواجهة الضغط الجينالوجي و القبلي .
سيحظى الإخوان حتما بدعم من القوى الشبابية المعارضة  و اليسارية في موريتانيا و حتى المعارضة التقليدية في حال دخلوا في مواجهة سياسية مع الحكومة القائمة ، ولكن الواقع يقول إن الإجماع السياسي متعذر إلى حد كبير خاصة في بلد مازال ينظر إلى السياسية كممارسة يتوخى من المبادئ و المواقف الثابتة في زمن الواقعي القول فيه أن سياسته المثلى إما أن تكون ميكيافلي على طريقة (ترامب ) أو استدراري على طريقة جميع دول العالم الثالث و إما أن تبقى متمسكا بمشروع صمم على مقاس لن يخدم جميع المجتمعات حتما عندها يمكن التساؤل أينهم ابرز قادة الحركة الإسلامية في مصر الذين أقدموا على هذه الخطوة في زمن وجب فيه التجديد و الاستماع إلى جميع الفاعلين الواقعي منهم و الافتراضي  .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وقفة مع رواية الأستاذ الشيخ نوح "أدباي"

لقبيلة في تجليّاتها المُختلفة.......عبد الودود ولد الشيخ

سياسات التشغيل في موريتانيا و دورها في الحد من البطالة