بين الحزب و الخيمة أي ديمقراطية في موريتانيا
منذ
نكسة حوار داكار و ما أعقبها من ارتدادات عنيفة على المشهد السياسي الموريتاني
دخلت المعارضة و الموالاة في موريتانيا مواجهة حادة و صلت بعض الأحيان حد القطيعة
و إن تخللتها فترات حوار عدى عن موراثونيته لم تحدد له أي أهداف واضحة ليطلب منه
الخروج بنتائج ملموسة ، و مع ذلك استمرت حرب الشعارات و المواجهة التي نزلت
للميدان بعد توجه الرئيس إلى تعديلات في دستور البلاد ، و صفتها المعارضة "
بالمساس بالمقدسات " و استطاعت إفشالها على مستوى الغرفة العليا للبرلمان ، و
حشد عام لا باس به على مستوى الشارع ، دون أن يمنع ذلك مرور التعديلات التي طالت
النشيد و العلم و بنسبة مريحة عل مستوى النتيجة و المشاركة ، و إن شاب هذه الفرحة
حديث المعارضة عن عمليات تزوير و تصويت أموات و أطفال ، ولكن التاريخ يقول إن
المعارضة العالم ثالثية و خاصة إفريقيا لم تترف يوما بفشلها و لا بأي نتائج على الإطلاق
إلا إذا كانت في مصلحتها ، - دون أن يكون ذلك طعنا في مصداقية ما تقول- .
من
المؤكد أن ثنائية الشفافية و النزاهة في إفريقيا قد بات بينهما شرخ كبير ، فان
كانت الشفافية قد تحققت سواء من خلال شكل الصندوق و اللوائح الآلية و بعثات
المراقبة و سهولة المطابقة ، فان النزاهة بقيت متعذرة في الفضاء الموريتاني كما هو
حال جل دول القارة ، و ذلك في حالة تعبير مباشرة عن مستوى الفقر و الأمية، إذ يصبح الفقراء وقودا للمعارك السياسية و يتم
استغلال بشكل كبير بسبب حاجتهم المادية الملحة ، و مع أزمة الشفافية و النزاهة في ديمقراطية
يمكن الاصطلاح عليها "بالديمقراطية
ذات الصندوقين" صدوق أولي هو جيوب المواطنين الفقراء الذين تبيع
غالبيتهم ذممها ، و صودق الانتخابات و الذي
لا يعبر فيه عن الإرادة الحرة بقدر ما يدفع الفقراء الدين المستحق عليهم و مهما
كان المشروع السياسي المنتخب ، فان أزمات في بنية الحزب السياسي الموريتاني هي
عائق كبير أمام أي تقدم في الشكل الديمقراطي "الأشبه بحالة العربة التي يراد
منها جر الحصان " فهذا الحزب لم يستطع يوما الخروج من جبة المخيلة القبلية و
استنساخ نظرية الشيخ و المريد في مؤسسة يتوخى منها أن تكون تعاقدية عملية و بعيدة
عن القبلية و الروابط الأولية (على لغة اميل دوركايم) ، ولكن الحقيقة تقول إن الأحزاب
المطالبة بالديمقراطية هي نفسها غير ديمقراطية حيث لم تشهد أي عملية انتقال على
مستوى الرئاسة في الظروف الطبيعية ، فساسة محنكون من حجم (مسعود ولد بلخير و احمد
ولد داداه و و بيجل ولد هميد ... كلهم يحتفظون بمناصبهم منذ تأسيس أحزابهم إلى
اليوم ) و هو ما رسخ الهوية الفردية و الانفرادية للحزب بل حتى اقتصاره على الشخص
الواحد "لذلك في موريتانيا دارج القول حزب فلان نسبة إلى شخص رئيسه ، أو حزب أهل
فلان نسبة إلى قبيلته " فيما يتصدر ما يصطلح عليه محليا في موريتانيا بالحزب
الحاكم أو الحزب الداعم للرئيس المشهد بتصرفه
كأنه وزارة في الحكومة و ليس مؤسسة حزبية خاضعة لقوانين و ضوابط العمل الحزبي ، و
حتى إن تخط الأمر الحزب الحاكم (الموالي) أو الحزب المعارض فان منطق الحزب السياسي
في موريتانيا ظل دائما لصيقا بفكرة الخيمة التي تضرب حيث اعشوشبت الأرض و ما إن
يبدي الجفاف وجهه حتى تقوض الخيمة استعدادا للارتحال إلى مكان آخر أكثر كلأ و أحسن مرعى (وهو
ما دفع البلاد إلى سن قانون ما عرف بالترحال السياسي و الذي لم يتم احترامه و لا
التقيد به).
إن
كانت التجارب الديمقراطية تقاس بالكثرة الحزبية فان موريتانيا هي الأكثر ديمقراطية
على الإطلاق و بدون بمنازع ، و إن كانت تقاس بالحريات و حرية التعبير فستحصل على
مكان متقدم أيضا في هذا المضمار ، و لكن ما إن يوضع كل ذلك أمام مجهر الحكامة و
منطق دولة المواطنة و المساواة ، حتى تعود موريتانيا سيرتها الأولى ، في تجل واضح
لحالة تصور الدولة في نسختها العالم ثالثية تحولات سياسية سريعة و عنيفة ، يلعن أخرها كل ما جاء به سابقها ، بل ويحمله وزر أخطائه حتى إن جلس في
الحكم ما شاء له الله لا شعبه، في استنساخ حقيقي لتصور فهم الدولة في المخيال
اللغوي العربي و المردود إلى (دال أو
دالت) بمعنى الانتقال و التحول إلى آخرين ، عكس التسلسل اللغوي الانجليزي أو
اللاتيني بشكل عام والذي يحيل (إلى أستيت – استاتيكو ) أي الثبات .
في
جميع الأحوال قد يقال إن التجربة الموريتانية قصيرة جدا على التقييم ، ولكن هذا لا
ينفي ضرورة التقويم المطلوب في أي مشروع ، خاصة إن مشروع الدولة الموريتانية وصل
عامه الستين و بالتالي بات مطلوبا منه أن يخرج بنتائج على ارض الواقع أكثر مما هو
موجود الآن و أن يكون أكثر مرونة لاستيعاب التنوع السياسي و الاجتماعي و الثقافي ،
و منطلق كل ذلك ضرورة بناء أحزاب سياسية وطنية و ليس جعل القبيلة أكثر مرونة و
دمجها في شكل أحزاب ، أو تلميع وجه المشيخيات التقليدية و إدخالها من الباب
السياسي كواجهة للبلد ، فمثل هذه الأساليب لن تساهم قطعا في بناء دولة الحق و
المواطنة و لا ديمقراطية تضمن بناء دولة مباركة و يجد فيها الجميع نفسه .
تعليقات
إرسال تعليق