بعض سوء الفهم ... و شيء من عدم التوفيق


"من الغريب أن موريتانيا البلد الوحيد الذي يصف الأشخاص باللون الأخضر ، هذا في حد ذاته تصور مثير للتساؤل "
الدكتور محمد سيد أحمد فال الوداني .
******
لا خلاف على أن موريتانيا بلد اثني أعراقي و متداخل و لكنها على مر التاريخ فشلت في إدارة هذا التنوع ، و لم تكن قادرة في وقت من تاريخا القصير في تجربة الدولة على الاستثمار فيه بشكل مبارك، حتى أن القبيلة كانت أكثر قدرة على إدارة هذا التنوع في المجتمع من خلال  خلق نظام وظيفي و طبقي محكم يجعل الأفراد يتحركون في دوائر خاصة و انشغالات خاصة بعيدا عن الشأن العام الذي بقي شأن شيوخ القبيلة بامتياز (جماعة الحل والعقد).
في موريتانيا الدولة طفت إلى السطح  الكثير من الصراعات و النزاعات التي كان بالأساس الهدف من ورائها حسب - التفسير الأولي – هو تغليب حلف المستعمر السابق للبلاد و إعطائه مكانة في الدولة الوليدة ، لكن هذه الصراعات و التي كانت في غالبها ذات مظهر اجتماعي و اقتصادي و ثقافي ، قد أنتجت أثرا عميقا مازالت الجيل الثاني بعد الاستقلال يتخبط في مخلفاته ( الإرث الإنساني ، العبودية ، الملكية العقارية ، توزيع الثروة ، الانتقال الريفي الحضري ، التعريب ، اللغة الرسمية ، هوية الدولة التائهة بين العربي و الإفريقي ، التحول الديمقراطي ...) ، الثابت الوحيد الذي استطاعت موريتانيا حسمه هو الهوية الدينية للمجتمع ، ولكن غير ذلك من مفاتيح الصراع انضاف إليها سوء حكامة المجال الموريتاني على مختلف المستويات ، إذ لم يتقدم أي من هذه الملفات باتجاه الحل ، و بقي دائما في إطار التحيين ، فموريتانيا التي تتقاسمها النزعات الإفريقية و العربية و حتى البربرية ، فشلت كل الفشل في حسم ثابت الهوية، الذي يعد الأهم من اجل إطلاق قاطرة البلاد ، و الإشكال بالنسبة لموريتانيا أن دولا أكثر تعمقا في أفريقيا كالسودان استطاعت حسم هويتها بسهولة ، و تجاوز أزمة الهوية ، فيما يمكن النظر إلى نماذج  افريقية – جنوب إفريقيا ...- أخرى استطاعت حل نزاعات أعمق و أكثر خطورة من ما هو كائن في موريتانيا . و إن كانت مسألة التحول السياسي في البلاد هي الأكثر دينامية (سرعة) بل قد تصنف الأحسن في البلاد  ، فان الانتقالات العسكرية أثرت كثيرا على هوية البلاد السياسية التي بقيت دائما في ظل حكم الاليغيرشية "العسكرية طبقة ، و الاثنية شريحة " و هو أيضا ما زاد في لبس سوء الفهم لتصور مسار مشترك لدولة عمرها لم يصل الستين بعد.
هذه البلاد التي  أساءت فهم الكثير من تاريخها أو على الأقل تحليله بشكل فعال ، يبد الآن شبابها في اغلبه بمعزل عن السياق العام ، خاصة مع تنامي أصوات الاشتراك ومحاولة  تجاوز  منطق التفسير القديم لميكانزمات المجال ، فلم يصبح دور الشباب أكثر فعالية فحسب من بل و مؤثرا جدا من خلال فتح قنوات للتواصل بين مختلف الشرائح و الطبقات الاجتماعية و هو ما جعله الآن في مواجهة مباشرة ، مع النظامين الاجتماعي و السياسي بسبب هذه المطالب التي تبدو متقدمة جدا بالنسبة لعقلية سياسية في القرن الخامس العشر و مطالب من القرن العشرين .

لن تكون أزمة التباعد بين الأجيال الحالية و من في مركب الأجيال السابقة و حدها هي الأزمة التي تواجه التفسير البناء لوضع البلاد من اجل تجاوز تلك الأزمات و البناء على المشترك ، فان البلد التي مازالت تصف الأسود ، بالأخضر ، و القمحي ، بالأبيض ، و البربري ، بالعربي ، و السمسار ، بالسياسي ، و السياسة ، بالمكر ، و الكرم ، بالسذاجة ، و البخل ، بالرشاد ، و النفاق بسبيل الوفاق ، والسرقة باتفكريش (الشجاعة) ... ، فان هذا  النوع من الفهم له الكثير من التأثير السلبي على محاولة بناء دولة الحقوق و المواطنة و العدل و تسمية الأشياء بمسمياتها .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وقفة مع رواية الأستاذ الشيخ نوح "أدباي"

لقبيلة في تجليّاتها المُختلفة.......عبد الودود ولد الشيخ

سياسات التشغيل في موريتانيا و دورها في الحد من البطالة