الهويات الفرعية في موريتانيا (1) مجتمع أتبلات
"من لم يعبر النهر بعد لا يجوز له الضحك من الغريق"
mousiwa taw lom ba de fotanie jalde julido) )
مثل
بولاري
----
في
التصنيف الثاني من مجتمع "هليبة " أو البولار تقع شريحة "أتبلات
" أي ملوك البحر بكل امتياز ( الذين
ينتمي بعضهم لمجتمع هليبة ) متقدمين بذلك على الصناع التقليدين في نفس المجتمع (وايلوبه)
و كذلك العبيد (ماتوبه ) و الفنانين (آولوبه) و الحرفيين (لاوبه)و غيرهم من الطبقات
الهليبية و حتى من المجتمع غير هليبة الذي يتواجد فيه أتبلات.
هذه
الشريحة التي تسرد أسطورتها التاريخية ملكيتهم التامة للبحار و الأنهار فأتبلاوي
الحقيقي لا يجوز له أن يغرق في البحر أو النهر "انه شبل من ذاك الأسد" و
أتبلاوي الأصيل لا يكتم في نفسه و إنما يصارح مباشرة و بدون تردد ، و إذا أحب أي
إنسان عشق من قلبه و إذا كره لا يتردد في إظهار كرهه للشخص الذي لا يطيق (في حالة
تجلي واضحة لابن الماء الذي ورث منه الصفاء ) ، أتبلاوي إذا لم تحترم وجبة السمك أمامه
، بمجرد قيظ في داخله تعلق زعنفة منه في الحلق في إشارة إلهية على عدم رضاه .
هذا المجتمع إذا غضب أو حزن لا يغسل حزنه إلا
ضفة نهر أو شاطئ بحر يغسل روحه هناك و بطقوسه الخاصة يتهادى إليه السمك من تلقاء
نفسه و دون سابق إنذار ، إنها حالة الحب التي ترسمها الثقافة الاجتماعية لمكانة
الماء في قلب أتبلاوي الذي إن صنف الطارقي ابن للريح فهو ابن للماء حتى أكثر موسي
"ابن اليم" .
في
هذا المجتمع العريق و الذي امتهن الماء لا يستغرب من المنتمي لشريحة أتبلات إلا أن
يكون لا يعرف كيفية التعامل مع الماء ، فهم
رجال الإنقاذ و الحماية المدنية للمجتمع فكما يقال "لا رجال إلا رجال
البحر" ، و على الرغم من قوة الشرائحية (الطبقية المغلقة ) و التي تمنع أي امتزاج حقيقي في هذا المجتمع مع الطبقات العليا آو الدنيا في
المجتمعات الموجود فيها أتبلات ، فان ثقافتهم و تاريخهم العريق بدأ يتلاشى شيئا فشيئا و بدأت هذه
الثقافة الضاربة في التاريخ تنطوي على نفسها في شواطئ و ضفاف فوتا العريقة ، و مع آن
مبررات ذلك واضحة سواء من خلال امتهان مختلف الشرائح و المكونات الموريتانية و
السنغالية للبحر و الصيد البحري ، أو دخول مجتمع أتبلات مجال العمل الأخر من قبيل
الوظائف الإدارية الرسمية و وغيرها ، فان
هذه الثقافة لا زالت لها دوائرها الخاصة و من هم مؤمن بالحفاظ عليها حتى آخر يوم
في حياتهم ، و حتى مع بعض الثورات و التحركات في مجتمع هليبة و غيره و التي بدأت
تنفتح على بعضها البعض و ترفض هذا الانغلاق ، فان فرحة أن نشعر أننا في أمة يذوب فيها الجليد الفاصل بين الشرائح المكونة
للمجتمع ، فان هذه الفرحة قد لا تضاهيها فكرة أن ثقافة لها من العراقة ما لها
تختفي هكذا و دون سابق إنذار .
-----
<<ثمة
العديد من الهويات الناشئة التي على الموريتانيين أن يتعاملوا معها و أن يدركوا
مدى التحول الكبير و السريع الذي يعيشه المجتمع>>
د
. محمد سيد أحمد فال الوداني (بوياتي)
تعليقات
إرسال تعليق