ثلاث ابتسامات مزيفة ...
على عجل يرمي الحقيبة ثم ينطلق مسرعا إلى
النافذة كعادته في الأسابيع الأخيرة , ولكن اليوم بدا
كأنها علمت أو هكذا اظهر
مخيلة عمر , تسارع إلى ذهنه أنها أخذت وقتا أطول في فك وثاق نهديها و كأنه تأخر
مفتعل , اختفت المسافة الفاصلة بين الغرفتين و تحولت إلى خطوات ثم استدارة صغيرة
الممر خالي فوجد نفسه في الغرفة , دون أن تجد مريم فرصة حتى لتتفاجأ كان يلقي بها
عنوة إلى المنضدة المخصصة للزينة , دون
حتى أن يغلق الباب أو يفكر في ما بعد ثواني النشوة .
وميض برق ...
و أصبحا مستسلمين للواقع و كأن الأرض ما
عاد فيها غيرهما , لم يجد عمر ما يقول انسحب من الغرفة و كأن 58 ثانية من سنواته
الثلاثين قد محت كل ما عاش و سيعيش , كانت معادلة ظالمة ثواني من نشوة شيطانية تسلبك كل شيء ثم ستدرك قائلا ألم تجد
مكانا أخر لتغيير ملابسها ؟ ألم تكن النافذة مفتوحة عمدا ...؟ , ولكن عودة كابوس
تلك اللحظة أصبح أقوى من كل المبررات الأخرى , واصل الخطى خارج المنزل كانت مفوضية
الشرطة تبعد حوالي 500 م لا أكثر و كانت التجربة على قصرها تحمل من البشاعة ما استحق العقاب , عبر الشارع
المؤدي إلى مفوضية الميناء 2 أصبح في مقابل الباب الأحمر الكبير مباشرة كان يعرف أن
النهاية هنا النهاية بكل ما تحمل الكلمة من معنى _ التنازل عن جميع المشاريع
الحياتية الاجتماعية و السياسية ... إنها ببساطة الناهية – وما إن تجاوز
السارية المنصوبة وسط باحة المفوضية شتت
تركيزه صوت العلم المتهالك الذي يبد أشبه بشبح علم بسبب تغير لونه و قلة ما بقي
منه متشبثا بالحبل الذي يتخذنه الذباب منزلا على السارية التي فعل بها التأكسد
فعله , فجأة سُحب من يده بقوة نفس الوجه مرة أخرى وكأنه اليوم يطارده مريم تظهر
مرة أخرى .
في رواية أخرى ...
بدت مريم أكثر رباطة جأش و قوة من الفتاة
المبتسمة المعتادة وقفت أمام عمر , الذي كان مركزا على عد الأمتار التي تفصل بين
عمر قبل نظرة من نافذة وعمر بعد عدة أمتار من مكان قدميه , قالت مريم بحزم و صلابة ...
إن كان الندم يفيد فان الزمن سعود إلى
الوراء لأنني اعرف انك نادم ...
إن كان العقاب يفيد فما ستعيشه من عذاب
يكفي لتُمحى هذه اللحظة إلى الأبد...
إن كان كل ذلك من اجل الصفح ... ها أنا
اصفح عنك !
الآن قرر ماذا تريد
هذا كل ما استطاع الألم إن يسحبه من ألفاظ
مريم ثم عادت أدراجها , استغرق عمر في
فتفكير عميق و بدت في الأفق حلول أخرى , كان الشرطي يقترب متسائل عفوا ماذا تريد؟.
ثم بعد يومين ...
كانت مريم في المطبخ كعادتها وكأن تلك
اللحظة لم تحدث بالرغم من بعض الآلام التي
تجربها للمرة الأولى في حياتها , بدت غير بالية بطريقة معية أو منهزمة أكثر من
اللازم , فتح الباب بكامل طاقته لتظهر أم عمر تدخل متثاقلة بسبب وزنها الزائد , لم تكلف
مريم نفسها عناء إلقاء التحية هو طقس اعتادته عندما تكون في صومعة النساء أو
المكان الذي يراد للمرأة أن تشعر فيه أن هذا هو نصيبها من الدنيا و كأنه تقديس
بطريقة أو بأخرى لجحيم المطبخ .
دخلت مريم غرفة الجلوس كانت قد سمعت كل شيء
و هي شبه متأكدة من الإجابة كانت أمها توافق على كل ما يقال بكلمة واحدة (طبعا نحن
و انتوم ما اتجون افشي و نرفضوه ) و ضعت السينية المزعجة التي أخذت منها الكثير من
التركز بسبب حركة كؤوس المذق ثم عادت إلى الطبخ أكثر استسلاما و خضوعا يبد أن هذه الأسرة
مصرة على اخذ كل شيء منها حتى فرصتها في مواصلة التعليم و الحلم بشيء أكثر من
الطبخ و النفخ .
يوم ووريت الثراء ...
كانت رائحة البخور وما خالطه من عطور تعج
بالمكان كان ذلك الخريف قد طوي فعالا من حياة مريم و لكن في خلدها بقي صوت تلك
البراءة يأبى أن يصمت ... يبد أن هذا هو
ما يسمى بالحياة , لحظات من الألم و أخرى من الفرح ولكن بعض الأشياء من الأحسن أن تموت فينا حتى تدفن
معنا و ما علينا إلا أن ننتظر أن يفرج عنا
عزرائيل بتحريرنا من عالم البشر المتوحش .
تعليقات
إرسال تعليق