حتمية الوحدة المغاربية (قراءة في غيدل )

تتصاعد الازمة المغاربية في الايام الاخيرة خاصة  في جوانب الجفاء و التباعد و رفع السياج الحدودي بين الدول الاربعة و الدولة الخامسة في طور التشكل من جديد ,  و تبرز الازمة الاعلامية بين موريتانيا و المغرب لتزيد التأزم بين المغرب و الجزائر , و ان كان بعض الاعلام المغربي (ولا اقول الكل )

قد فتح النار على موريتانيا فان هذه الاخيرة تواصل سياسة الابتعاد عن المغرب من خلال القرب الكبير من الجزائر و الهدنة المعلنة سياسيا و حدوديا مع البوليساريو (عدم مقاطعة موريتانيا  للاجتماع العربي الافريقي الذي حضرته البوليساريو...الخ ) .كل ذلك مع سياسة النأي بالنفس التي تمارسها تونس و توقف عجلة الاتحاد المغربي بشكل شبه تام عدا عن مؤسسات جانبية و عادة ما تكون قراراتها جانبية , هذه الوضعية وما رافقها من متغيرات منها الايجابي و السلبي تفرض مجموعة من الاسئلة , كيف لم تنجح السياسة في تحقيق حاجة شعبية (الاتحاد المغاربي) و بقي الصراع السياسي طاغيا على الضرورات التنموية ؟ ما هو المعرب والمبني في السياق المغاربي سياسيا اجتماعيا و ثقافيا ؟ و كيف تطرح ازمة الريادة (الرئاسة مشكلة ) لخمس زعماء في مجال شبه متجانس ؟ و هل المسيرة المغاربية هي الحل ؟ و ما هي اكراهات الوحدة المغاربية اعتمادا على نظرية غديل ) ؟
1 لماذا الاصوات الشعبية خافتة جدا ؟
ظلت الخلافات السياسية في التوجه و الموقف بين الزعامات المغربية هي الحد الفاصل بين الوحدة و الانفصال مغاربيا , فكانت موريتانيا و المغرب في سياق معين اشبه  بالدولة الواحدة بل و استقبل الجيش الملكي المغربي على الاراضي الموريتانية للمحاربة ضد عدو مشترك , وقتها كان السياق يجمع زعامات البلدين و لم تحتج هذه الاجراءات الى رأي شعبي أو ما شابه  لأنه  بدى اجراءا شكليا حينها , و في السياق نفسه اصبحت الزعامة الجزائرية عدو مشترك للبلدين و كانت المغرب و الجزائر تغلقان الحدود و تقطعان العلاقات , لتتحول المغرب الى عدو لموريتانيا بسبب عدم الاعتراف بوطنية موريتانيا (و احداث تبعت ذلك معروفة تاريخيا... ) , هذه المقتطفات من الاحداث لم يرافقها أي حراك شعبي رافض و لم يستمع فيها لآلاف الاصوات الشعبية التي كانت بحاجة الى فتح هذه الحدود سواء للحركة الطلابية او العملية او العائلية و ما شاكل ذلك من المصائر التي تفرضها الجيرة و الحدود المشتركة .
ان تغييب الشعوب المغاربية عن الصراع و اعتبارها في صف حكوماتها آليا , هو ما جعل القضية المغاربية قضية ثانوية لا تدخل في أي نقاش عامي كان او نخبوي و ذلك لقوة الاعلام الرسمي و اخر شواهد ذلك اجتماع وزراء التربية في المغرب العربي المنعقد في نواكشوط (ديسمبر 2016) الذي طغى علية اعمال لجنة مشتركة بين موريتانيا و الجزائر في الاعلام الموريتاني و الجزائري و مهرجان الكوميديا الحسانية بالمغرب فيما كانت ليبيا غارقة في اقتتالها و تونس تركز على تفكيك العمليات الارهابية , و هو ما يعني ان الجسم المغاربي لا دور له فقد تم تحييده حكوماتيا و تخدير الحاجة الشعبية لهذه المؤسسة ما أعاق ظهور مطالب شعبية حقيقية لتجسيد هذه الحاجة الاقليمية الملحة .
2 هل المغرب العربي حاجة  أم ترف ؟
ان السعي لأي تشكيل اقليمي او قاري او حتى دولي تتوخى منه بالضرورة  حاجة ما , و يُسعى من خلاله الى خلق فضاء للتبادل و العطاء المشترك و يشكل سؤال الثابت والمتحول مغاربيا في هذا السياق المحور الاهم , ما يجعل المغرب العربي كثر تميزا و فعالية عن غيره من المؤسسات هو تنوع المنتوج في هذه الدول التي تشترك في (الفشل تنمويا ) , و من المؤكد ان وجود امكانيات مختلفة يجعل هذه الدول قادرة على التركيز في مجالات مختلفة مقابل ان تحقق الدول الاخرى تطورا في المجال المقابل , و تعتبر ميزة الحدود القريبة هي الثابت الاكثر فعالية و الاستثمار الاكبر الذي تتمتع به منطقة المغرب العربي  و القادر على اخراجها من وضع التذبذب التنموي , هذا مع ثوابت اخرى اجتماعية وثقافية (العلاقة المجالية و السكانية بين مختلف الدول تونس "اقليم افريقية " سابقا و المغرب كواجهة سياسية للمجال الشنقيطي بشكل عام ...) هذا مع الحاجة الاقتصادية التي كانت توفرها الحركة الحدودية بين هذه الدول , و  المتغير الوحيد الذي يمكن الوقوف عليه بين هذه الدول هو المتغير السياسي الذي نجح في ان يكون عنوانه محكوما بطبيعة الحاكم في كل بلد على حِدة . و تجاوز هذا المعرب هو بتحويل الجسم المغاربي الى جسم شعبي بدل بقائه  ورقة ضغط بين الحكومات تكاثر بها وقت ما تشاء و تشتت بها حيث يبد للحاكم , و بالتالي الحد من النظر الى المغرب العربي كترف وفضاء سياسي يلتقي من خلاله جمهور من السياسيين لالتقاط الصور التذكارية  , و تتجسد الحاجة الى المغاربية في الإكراهات  الصحية لبلد كموريتانيا و كذا الحاجة الاقتصادية مع تمتع هذا البلد بمقدرات اقتصادية تعد جميع الدول  المغاربية بحاجة لها "السمك" كما ان الوضع الليبي ايضا أنموذج على الحاجة الى كيان اقليمي فعال وقوي .
3 ما بال ذوي الدم العربي و الزعامة ؟
من اكبر العوائق التي تواجه أي تجمع عربي , مسألة حسم الزعامة او رئاسة هذا التجمع , وهو ما يجعل أي منظمة اقليمية في الفضاء العربي تشبه نظرية الافكار عند باركلي (نتفق في الافكار لأنها وحي من الله ولكن نختلف في التطبيق كعمل بشري ) , لذلك و منذ تأسيس المنظمة المغاربية (17-02-1989) , ظلت قضية التوجه السياسي العام هي العائق الاكبر امام التنظيم الذي لم يستطع حسم هويته اقتصاديا و سياسيا مع وجود دول ذات تراث يساري و اخر اكثر ميلا للرأسمالية , ما جعل قضية الرئاسة في الجسم المغاربي العامل الحاسم في ضرورة حركة هذه المؤسسة التي فشلت على مر تاريخها في ان  تنظر لنفسها انطلاقا  من الحاجات الشعبية وليس انطلاقا من المصالح و التحالفات التي تحكم الزعماء المشكلين للمنظمة .
4 هل يجب على الشعوب المغاربية أن تتولى زمام المبادرة ؟
من الواجب الان و بعد مرور 27 سنة من المحاولات الفاشلة على مستوى النخبة السياسية للبلدان المغاربية ان تتجه البوصلة الى الفعل الشعبي , حتى تفهم القيادات السياسية ان الشعب بات مدركا لقيمة هذه المؤسسة على المستوى التبادل الثقافي و الاقتصادي و الحدود الاجتماعية الموغلة في التداخل , و من المبرر الان ان تتحرك مسيرة الشعوب المغاربية سعيا الى فتح الحدود , وذلك بإطلاق حراك داخلي في كل بلد يجبر القيادات السياسية -(على مالها من احترام لمناصبها و مكانها )- على الرضوخ لطب مسيرة الشعب المغاربي التي يجب ان يكون هدفها الاول فتح الحدود المغاربية و تجاوز الخلافات البينية حتى تستطيع  تحريك  عجلة الانفتاح المغاربي .
5 المغرب العربي رؤية غديل
(تقول نظرية غديل ان عددين معلومين اضيف احدهما للآخر فالنتيجة ليست حاصل الرقمين ضرورة ) .
و بالتالي فان هذه المقاربة اذا طبقت على المغرب العربي نجد ان الحاصل سيكون ضرورة (عجلة تنمية اسرع – تعليم احسن جودة – وسوق اوسع – و موقف اقوى قاريا ودوليا و صلابة اكثر في مواجهة الارهاب و الاوبئة ...) , فلو قلنا إن  (تونس "الجيدة التعليم و الحريات... " + موريتانيا "السمكية – المنجمية ..." + ليبيا "النفطية... " + المغرب "ذات السواحل الاستراتيجية فلاحيا و للتبادل مع الغرب..."+ الجزائر "ذات المنتوج النفطي والغازي ... " . جميع هذه الميزات التي لم يعرض منها الا النزر اليسير يعني ان هذه المنطقة هي الاكثر قابلية للنمو المشترك , و ان مسألة تفعيل الاتحاد المغاربي و استخدام  الحدود التي تتمتع بها هذه الدول مجتمعة يعني ببساطة سوقا كبيرة و فضاء تعليميا مفتوحا  و اقتصاديا و صحيا مفتوحا اما المواطن المغاربي , الذي ستتاح له فرصة الخروج من المحاظر الشنقيطية و الجامعات التونسية و المغربية و فرصة التجربة في المعامل الجزائرية و الليبية ,كما ستسمح مغاربية الهوية بتوجيه تصنيع المنتجات السمكية الموريتانية الى تونس المجاورة و توريد المنتوجات  المغربية الى موريتانيا و حل الازمة النفطية في المنطقة ما بين ليبيا  و الجزائر القادرة على توفير المحروقات ايضا .
إن المسألة المغاربية في جوانبها المختلفة و تعقيداتها التي طالما تم السعي الى اظهارها على السطح, قابلة للتحقق اكثر من أي تجمع اقليمي اخر بسبب عوامل اللغة و الدين و الحدود السياسية و الاجتماعية التي تتشابك اكثر من غيرها , و كذا الحاجة التنموية الملحة التي لا تقوم إلا على تبادل الخبرات بين الجيران و التفاعل من اجل توحيد وجهة النظر من عديد القضايا التي تمس العمق السيادي و الامني لهذه المنطقة التي باتت مهددة بالتشرذم على وقع الصراعات القريبة و تصدير الازمة الذي بدأت مظاهرها في ليبيا و العجز الأممي عن حل  قضية الصحراء الغربية التي تؤكد التجارب ان حلها داخليا بين الدول الخمس . هذا مع تدافع اللاعبين الجدد الى الساحة المغاربية خاصة في الخاصرة الجنوبية (افريقيا جنوب الصحراء ). وعوامل بدأ الواقع يفرزها يوما بعد يوم .
#المغاربية_هي_الحل

   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سياسات التشغيل في موريتانيا و دورها في الحد من البطالة

وقفة مع رواية الأستاذ الشيخ نوح "أدباي"

في السياسة ...