الرق في موريتانيا.. عام من الشد والجذب ..... عن موقع العربي الجديد
يعد ملف الرق والمستعبدين، من أكثر الملفات سخونة على الساحة الموريتانية
خلال عام 2014، فرغم الجهود الحكومة الموريتانية المعلنة في هذا الصدد، إلا أن انتقادات
حقوقية ودولية واسعة وجِّهت للدولة، التي احتلت المرتبة الأولى في مؤشر العبودية العالمي
لعام 2014، من بين 167 دولة تنتشر فيها ظاهرة الاسترقاق
.
.
وقدّر التقرير الذي أصدرته مؤسسة "ووك فري" الأسترالية،
في مناسبة اليوم العالمي لمكافحة الرق (23 أغسطس/ آب)، أن عدد المستعبدين في موريتانيا
يصل إلى 155 ألفاً و600 شخص، أي ما يعادل 4 في المائة من عدد السكان.
ويعاني العبيد في موريتانيا أشكالاً مختلفة من الانتهاكات وأنواع
الاسترقاق المباشرة وغير المباشرة، التي تخلّف أضراراً متعددة.
ويعد المتضرر الأول من حالات العبودية، وفقاً للناشطة الحقوقية
الموريتانية مكفولة إبراهيم "النساء، إذ ينظر المستعبِد إلى الأنثى المستعبَدة
على أنها كنز أو ثروة، لأنها قادرة على أن تلد عبيداً جدداً، على عكس (العبد) الذكر
الذي ليس له حق التصرف بأبنائه، فالأبناء هم أتباع لأمهم المملوكة، وهم جزء من أملاك
مالكها الأصلي. وعادة ما يدفعن الثمن أكثر من الرجل نظراً لبقائهن إلى جانب الأسرة
الأصل".
إجراءات لا تعالج
وصادقت الحكومة الموريتانية في مارس/ آذار 2014 على خطة عمل رسمية،
لمحاربة الاسترقاق والقضاء على مخلفاته في أفق عام 2016، وذلك بالتنسيق مع الأمم المتحدة،
وبميزانية تبلغ 3.3 ملايين دولار. كما تم تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة جرائم العبودية
الراسخة.
واشتملت هذه الخارطة على 29 توصية تغطي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية
والحقوقية والتعليمية والمعرفية، المرتبطة بهذه القضية، على أن تنفذ توصياتها وأجندتها
الزمنية حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2015.
وسبق تلك الخطوة، قرار أصدره الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز
في مارس/آذار 2013، بإنشاء وكالة "تضامن" الوطنية لمحاربة آثار الرق ومكافحة
الفقر، ووضع الخطوط العريضة لخطة عمل وطنية لمناهضته.
ورغم هذه الإجراءات، إلا أن السلطات الموريتانية لم تعترف رسمياً
حتى اليوم بوجود عبيد ومستعبدين في موريتانيا، وبحسب نشطاء وحقوقيين موريتانيين، فإن
الحكومة تصور الوقائع على أنها مخلفات وتبعات لعمليات رق سابقة.
وهي في المقابل تواصل سجن ثمانية ناشطين يناضلون ضد الرق والعبودية
منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وعلى رأسهم رئيس مبادرة الانعتاق في موريتانيا بيرام
ولد عبيدي، الممنوع من السفر منذ العام 2009. كما أنها تتهمهم بالانتماء إلى جماعة
محظورة وبالدعوة إلى التجمع والتحريض على العصيان.
بيرام ولد أعبيدي.. محتجز منذ نوفمبر الماضي إثر جولة لمحاربة
"العبودية العقارية"
توحيد الخطبة
وأصدرت الحكومة الموريتانية بياناً يوم 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري
والداعي إلى "نشر ثقافة الحرية والانعتاق وترسيخ قيم العدل والمساواة وتبصير جميع
أفراد المجتمع بخطورة هذه الظاهرة التي تعتبر من أكبر عوائق التنمية، وهو نقطة البداية
لمحاربة الرق على المستوى الرسمي".
كذلك اتخذت قراراً بتوحيد خطب الجمعة (يوم 12 ديسمبر/كانون الأول)
على مستوى كافة جوامع نواكشوط وتوظيفها خدمة "لمحاربة مخلفات الاسترقاق"،
وهو ما رآه متابعون، اعترافاً من الحكومة بوجود ظاهرة الرق في البلاد، بعد طول إنكار
رسمي لوجودها، محتسبين هذه الخطوة الحكومية نقطة لصالح الحراك المجتمعي المستمر منذ
عقود، والذي يحمل على عاتقه هم تحرير فئة المستعبدين من الشعب الموريتاني.
ولفتت الناشطة مكفولة إبراهيم إلى أن "الشعب الموريتاني يعتمد
في معظم قضاياه على ما يسمعه في المساجد وخطب الجمعة، بسبب انتشار الأمية انتشاراً
فظيعاً بين الناس، لذلك عمدت الحكومة إلى توحيد خطبة الجمعة بحيث تتمحور مضامينها حول
ظاهرة الاسترقاق في موريتانيا من منظور شرعي وضرورة القضاء على رواسبها".
وقالت إبراهيم إنه رغم الإجراءات الحكومية المعلنة، إلا أن المتابعة
الميدانية على أرض الواقع لقضية العبيد لم تحصل، موضحة "لم أسمع ولم أعلم أن هناك
تحركات ميدانية للوصول إلى المستعبدين، وهناك الكثير من المستعبِدين الذين رفعت ضدهم
قضايا في المحكمة، ولم تبت الأخيرة إلا في قضية استعباد واحدة مارسها تسعة أشخاص، وتم
سجن شخص واحد منهم على الرغم من تورطهم جميعاً".
وأوضحت أنه "باستطاعة أي شخص أن يتقدم بشكوى، لكن للأسف لن
يكون للشكوى أي تأثير. كما يمكن لأفراد أو منظمات محلية استقاء الأخبار ومعرفة ما إذا
كان الشخص مستعبداً أم لا، ولكن غالباً ما تفشل تلك العملية، نظراً لتواطؤ جهات نافذة
إما في السلطة وإما من المستعبِد نفسه، عندها يلجأ الضحية إلى إنكار واقعه كمستعبد
خوفاً وجهلاً".
كذلك لفتت إلى أن "المنظمات التي تحارب العبودية لا تبحث هي
نفسها عن المستعبَدين ولكنها تؤازرهم في حال تقدمهم بشكوى لديها، أو في حال علمها بحالة
عبودية عن طريق أحد أعضائها، وتبقى تلك حالات نادرة".
وعن وكالة تضامن التي استحدثتها السلطة، أشارت إبراهيم إلى أنها
"وكالة خاصة بالتنمية في المناطق التي مازال يسكنها الأرقاء السابقون، ومن حقها
حصراً، وقطعاً للطريق أمام المنظمات الحقوقية، تقديم الشكوى من المستعبَد وهو ما يشكل
في نظرنا كحقوقيين حكَماً وخصماً في آن. وضحية الاستعباد لا يدرك أصلاً أنه ضحية ومستعبَد.
كما أن الحكومة نفسها تنكر وجود العبودية بشكل رسمي أمام شركائها
وأمام العالم. كما يتم التركيز على أن الاستعباد جزء من الدين، لذلك يكون المستعبَد
منقاداً عبر مستعبِده بشكل طوعي. ولايزال هناك من الفقهاء الذين تتم استضافتهم عبر
الإعلام المرئي من يؤيد العبودية ويعتبرها إقراراً من الدين نفسه".
وأعربت مكفولة عن أسفها لعدم توفر أي برامج رعاية وتأهيل للمستعبَدين
في حال تحررهم من الاستعباد وقالت: "هذه النقطة هي الأهم، لكن للأسف نجيب عليها
بالنفي. فالدولة في موريتانيا لا تقوم باحتضان ورعاية هؤلاء، باستثناء حالة واحدة فريدة
لسيدة لديها ستة أولاد تدفع لها الدولة شهرياً مبلغاً يقارب 300 دولار.
أما الآخرون فيندمجون بالمجتمع كل على طريقته، فيلجأون إلى الأعمال
البسيطة في المدن أو يرتبطون بمستعبديهم الأصليين في المدينة للحصول على لقمة عيشهم.
وتظل عملية الاستعباد متواصلة، ولكنها في هذه الحالة تصبح تكافلية
ولها طابع ثقافي مختلف، يُفقدها الصورة التقليدية للاستعباد".
معركة "الرق"
وتم إلغاء العبودية في موريتانيا ثلاث مرات، كان آخرها القانون
الصادر 2007 المتعلق بتجريم الممارسات الاسترقاقية، وقد جاء أول قانون مجرّم للرق سنة
1981 بعد انتفاضة شعبية وسلمية قام بها العبيد والعبيد السابقون.
وكانت حركة "الحر" أول حركة مناهضة للعبودية أنشأها العرب
السمر "لحراطين" في موريتانيا خلال مارس/آذار 1978، اعتراضاً على عمليات
بيع النساء علناً وكثرة التعسف ضد العبيد والعبيد السابقين في مخافر الشرطة والدرك.
وحسب تقرير صادر عام 2009 عن لجنة حقوق الإنسان في موريتانيا، لا
زالت الممارسات الاستعبادية بحق العرب السمر تتواصل بأشكال واسعة، ولا تزال العبودية
حاضرة بكثرة وبصورة خاصة في الوسط الريفي الموريتاني.
ويبقى انشغال الطبقة الحاكمة بالصراع على السلطة، والخلاف الواسع
بين الحكومة والجهات المدافعة عن المستعبدين على أشده، وتمسك المجتمع عموماً بالتراتبية
الطبقية التي تتوارثها الأجيال، واستمرار تجارة الرقيق على الرغم من إنكار السلطات
الرسمية والدينية لها، عوامل تجعل قضية الاستعباد في موريتانيا بعيدة عن الحل.
تعليقات
إرسال تعليق