السعودية في عهد آل سلمان : أي مصير لملكها غير المتوج


محمد بن سلمان تحرك كثيرا في ظل أحداث اقليمية مؤثرة فقد أزال ولي العهد في ظل أزمة قطر ، و حبس أمراء في ظل أزمة اليمن و لبنان فما الحدث الذي يليق بتوليه العرش ؟
*** *** *** *** ***
 منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز ال سعود كان واضحا انه سيكون آخر الاخوة في العرش من خلال اتباعه سياسة الفصل الكاملة مع ماضي المملكة التي حرصت على وصية الوالد بتوريث الاخوة بدل الابناء ، و لكن ولي ولي العهد الذي تحول سريعا إلى ولي للعهد يبد مستعجلا للوصول إلى سدة الحكم ، إلا أن هذا الاستعجال لم يقتصر فقط على  تصدره المشهد في اللملكة وخارجها حيث بات الامر الناهي بين عشية وضحاها ، و خرج سريعا من الظل إلى واجهة الاحداث بمؤازرة من أحد اكثر الشخصيات نفوذا دبلوماسيا في المنطقة محمد بن زايد الذي يملك اذرعا قد يكون  اضعفها محمد دحلان الذي تحول من مارق على القضية الفلسطينية إلى واجهة لبن زايد في العديد من الملفات الشائكة .
محمد بن سلمان تزامن استعداده لاعتلاء العرش مع أحداث كبيرة ، فالولايات المتحدة الامريكية التي نعرفها تغيرت رأسا على عقب بعد حكم دونالد ترامب الذي لا يبحث عن اصدقاء لأمريكا و إنما يبحث عن استثمارات و تجسد ذلك من خلال حساب نتائج زياراته بعدد المليارات التي يعود بها من لكل زيارة ، و للمتابع لحسابه على تويتر معرفة ردة فعله على زيارته للرياض التي شهدت الكثير من الاحداث التي كانت من بوادر التحول المنظور في المملكة في عهد آل سلمان ، فأيام بعد زيارة ترامب تم قطع العلاقات مع قطر في حدت قضى على وحدة البيت الخليجي ، و بوقت وجيز قبل ذاك كان الملك سلمان يدخل في مخاطرة تتحمل السعودية الان كل سيئاتها و هي الحرب على اليمن التي بدت في شكل تحالف عربي إسلامي و لكن الواقع يقول انها حرب سعودية على اليمن كان الامير الشاب هو عرابها الاول ، و ان جنى امير أبوظبي ذو النفوذ الواسع نتائجها الابرز ، على الاقل هذا ما تقوله السيطرة على الارض و الانتشار العسكري ، في وقت دفعت السعودية إلى مواجهة حرب حقيقية كان اخرها صاروخ الرياض  والذي سبقته مخططات احرى ضد امن المملكة التي تعد اليمن خاصرتها الحرجة ، و هو ما جعل أي غبار قادم من اليمن تشم فيه السعودية رائحة العدو الجغرافي و الازلي الجمهورية الاسلامية الايرانية .
فيما يستمر الامير الشاب بتثبيت قدميه بالإعلان عن ما سمي رؤية المملكة 2030 في انقلاب اقتصادي على وضعية الدولة النفطية كان اول ضحاياه رافعة الاقتصاد الاكبر عربيا "أرامكو" ، هذا عدى عن المشاريع الطموحة في البحر الميت و تيران و صنافير و ، كان المشروع الذي شغل به ولي العهد الجديد الناس هو التوجه الديني الذي اعلن و بالحرف الواحد القضاء على التطرف ،  والعمل على تجديد الفهم و الخط التديني للملكة ، و كان من بوادر ذلك حبس المئات من  الائمة و رجال الدين - و بين و قوسين الموقف الذي كان مثار تهكم ضد المملكة-  السماح للمراة بقيادة السيارة ، هذا التوجه الديني الجديد مثل انقلابا بحد ذاته على عقيدة المللكة التي قال اخر من ملوكها انه الكتاب  و السنة هم دستورها ، و هو ما يطرح اشكالات حقيقية عن طبيعة التحول الذي يسعى اليه الامير الشاب في مشروعه الديني الجديد الذي لم يتضح منه سوى السعي الى التخلص من سلطة النص الديني لصالح سلط اخرى لم يتم بلورتها بعد ، هذا مع الاعلان الصريح من الامير محمد بن سلمان للحرب على الاسرة الحاكمة فإزالة ولي العهد السابق كانت البداية فقط ، ففي يوم واحد من الاعلان عن لجنة لمكافحة الفساد تم اعتقال ابرز وجوه الاسرة الحاكمة و اقوى رجال المال في المملكة من وزراء و امراء تتبع لهم مؤسسات كبيرة مالية و اعلامية ، بل حتى تم تسجيل اموال الجميع في عهدة الدولة السعودية ، و هو ما فسر ان الامير دخل المرحلة الاخيرة من عملية تحييد الخصوم و الاعداء في سبيل للكرسي الملكي .
و مع أن الوضع الداخلي للملكة بقي دائما ورقة فاشلة للضغط على ملوك السعودية التي لم تعرف ما قد يوصف بالانفراجة السياسية و الحرياتية على الاطلاق ، و ذلك بسبب علاقات المصالح التي تربطها بالقوى العظمى و المبنية بشكل كبير على مصالح اقتصادية و استراتيجية (النفط و المواجهة مع ايران النووية ) ، فان الوضع الاقليمي يقود السعودية إلى  الزاوية الحرجة ، حيث ان الحرب على اليمن تزداد تعقيدا و تطول مدتها و بالتالي تثقل أعباؤها المالية على كاهل المملكة ، فيما يمثل صمود امارة قطر في وجه الحصار ضغطا على الرياض التي تقود أيضا جبهة ثانية ضد جارتها بتهم ابرزها الارهاب ، الذي تحاكم به المملكة نفسها في محاكم الولايات المتحدة ، و تستعد لمواجهة مساءلة حول جرائم حرب في اليمن الذي دمرته عاصفة الحزم و سلاح الحوثيين ، كما أن الحليف الاول لمشروع أل سلمان الجديد و هو الامارات يعيش تحت ضغط الهجوم الاعلامي المتواصل من قناة الجزيرة القطرية و هو ما يدفع بالإمارات إلى الحرص على ستر عورتها بدل العمل على دعم حليفها السعودي ، خاصة أن البلد الخليجي اصبح مضطرا للإجابة عن اسئلة حرجة حول العلاقة مع اسرائيل ووضع حقوق الانسان في الدولة و الدور الذي تلعبه في الصراعات  التي تشهدها المنطقة .
بن سلمان الامير الشاب لا يسعى  إلى الحكم فحسب بل و يريد خلق تغير قد يكون منافيا للجغرافيا و التاريخ في عاصمة الاسلام التي باتت فيها هيئة الترفيه بديلا حقيقيا عن هيئة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر-ذات السمعة المخيفة- التي اصبحت مؤسسة هامشية في العهد الجيد ، هذا دون نسيان ان السعودية الجدية دفعت بنفسها إلى برميل البارود اللبناني الذي يعد الحالة  الدينية و الاجتماعية الاكثر تركيبا و تعقيدا في المنطقة ، فالدولة مسلحة و الشيعة مسلحون و السنة في طور العمل على جيشهم الخاص ايضا ، إلا ان دفع الحريري إلى خطاب مطابق لخطاب المملكة و مضاد لحليفه حزب الله يعد وجها للحرب بالوكالة الدائرة بين السعودية و ايران في عدة ساحات اخرها لبنا و قبلها اليمن و فلسطين ... ، فالاستقالة المريبة زمكانيا للحريري ، تعني ان السعودية نصبت نفسها فاعلا رئيسيا في دول يشكل الصراع جزء من تاريخها ، فمصر التي عاشت ما سمي من محور الاخوان -الحكام السابقين -الثورة المضادة ، تعتبر اليوم حليفا رئيسيا للمشروع السعودي الجديد ولكن مصر التي عرفها العالم أيام السادات ومنتصف عهد مبارك ليست هي مصر التي نعرفها اليوم في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
محمد بن سلما حتما اذا كتب له الله العمر سيصل سدة الحكم ، و ينصب ملكا و لكن على الملك الجديد  الوفاء بعهود ثقيلة جدا أولها كسب الاحترام للعائلة المالكة التي ظهرت بسبب الاعتقالات الاخيرة في شكل حطم صورتها الذهنية لدى المواطن السعودي ، كما عليه اثبات ان مشروعه قابل للتحقيق و التطبيق ، ثم ان عليه الخروج من اليمن بأقل الاضرار و التي ستكون حتما الاعتراف بالهزيمة عسكريا و محاولة العودة إلى الحل السياسي الذي سيكون انصار الله (حلفاء ايران) جزء لا يتجزأ منه ، كما عليه الحرص أن يكون رئيس الوزراء اللبناني القادم في حلفه مما يضمن له مكانا في الحرب الاقليمية المفترضة ضد إيران –التي يحاول ترامب التملص من الاتفاق النووي معها ، ثم ان المشكلة الاكبر التي على الامير الشاب ان ينجح فيها هي ان يحافظ على الامارات و ان يخرج من الازمة القطرية بإعادة مجلس التعاون الخليجي ، الذي يعيش الان موتا سريريا ، خاصمة ان محمد بن زايد أذا وصل الحكم سيكون له شؤون اخرى غير ارشاد محمد بن سلمان كيف يدير مملكة اجداده .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وقفة مع رواية الأستاذ الشيخ نوح "أدباي"

لقبيلة في تجليّاتها المُختلفة.......عبد الودود ولد الشيخ

سياسات التشغيل في موريتانيا و دورها في الحد من البطالة